الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ }

قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِيٍّ عَدُوّاً } يعني أعداء ومعنى ذلك كما جعلنا لك ولأمتك أعداء مثل أبي جهل وأصحابه كذلك جعلنا لكل نبي عدواً { شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ } قال مقاتل: وذلك أن إبليس وكل شياطين الإنس وشياطين الجن يضلونهم فإذا التقى شيطان الجن مع شيطان الإنس قال أحدهما للآخر: إني أضللت صاحبي بكذا وكذا فأَضْلِلْ أنت صاحبك بكذا وكذا فذلك قوله: { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } يعني يكلم بعضهم بعضاً بالإضلال. وقال عكرمة: للجن شياطين مثل شياطين الإنس. وروي عن الزبير بن العوام أن جنياً شكا إليه ما لقي من الشيطان فعلمه دعاء ليخلص منه فدعا به. ووجه آخر شياطين الإنس والجن يعني الشياطين من الإنس والشياطين من الجن لأن كل عات متمرد فهو شيطان. وروي عن أبي ذر الغفاري أنه قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد فأمرني أن أصلي ركعتين فصليت ثم جلست عنده قال: " يا أبا ذر تَعَوّذ بِالله من شياطين الإنس وشياطين الجن، فقلت: يا رسول الله أَوَ من الإنس شياطين؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أو ما تقرأ قوله { شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنّ } " وكذلك هذان القولان من قوله تعالىفِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } [الناس: 5، 6]. ثم قال { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } يعني يوسوس بعضهم بعضاً { زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } يعني ما زين منه، وحسن وموه، يعني يزين القول باطلاً يغرهم بذلك، وأصل الزخرف: الذهب. وسمى الزينة زخرفاً لأن أصل الزينة من الذهب يعني يزين لبعض الأعمال. ثم قال: { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } يعني لو شاء ربك لمنعهم من الوسوسة ولكن الله يمتحن بما يعلم أنه أبلغ في الحكمة وأجزل في الثواب { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } يعني خل عنهم وما يكذبون من القول والغرور. ثم قال: { وَلِتَصْغَي إِلَيْهِ } يقول: ولتميل إلى ذلك الزخرف والغرور { أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } إلى هذه الزينة والغرور { وَلِيَرْضَوْهُ } يقول: لكي يقبلوا من الشياطين الزينة والغرور { وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ } يعني ليكسبوا ما هم مكتسبون من المعاصي وليعملوا ما هم عاملون. وقرأ بعضهم: (وليرضوه وليقترفوا) بجزم اللام على معنى الأمر والمراد به التهديد كقوله:ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [فصلت: 40] والقراءة المعروفة: بكسر اللام والمراد به التهديد، ومعناه اتركهم ليعلموا ما هم عاملون.