الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } * { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } * { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ }

وقوله تعالى: { قُلْ يَا أهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا } يقول: ما تطعنون فينا وتعيبوننا { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِْ } أي سوى أنا قد آمنا بالله وآمنا بـ { وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا } يعني من القرآن { وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ } القرآن يعني التوراة والإنجيل { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَـٰسِقُونَ } يعني لم تؤمنوا لفسقكم، وعصيانكم. وقال الزجاج: معنى { هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا } هل تكرهون منا إلا إيماننا وبفسقكم: إنما كرهتم إيماننا وأنتم تعلمون أنا على الحق لأنكم فسقتم ولم تثبتوا على دينكم لمحبتكم الرئاسة ومحبتكم المال. وقوله تعالى { قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ } قال مقاتل: وذلك أن اليهود قالوا للمؤمنين: ما نعلم أحداً من أهل هذه الأديان أقل حظاً في الدنيا ولا في الآخرة منكم فنزل: { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ } يعني أخبركم بشر من ذلك { مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ } يعني ثواباً عند الله فقالت اليهود: من هم؟ قال: { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ } فقال المسلمون لليهود: يا إخوة القردة والخنازير فنكسوا رؤوسهم وخجلوا. ومثوبة: صار نصباً للتمييز يعني التفسير. ثم قال: { وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَ } قرأ حمزة: (وَعَبُدَ الطاغوت) بنصب العين والدال وضم الباء وكسر التاء من الطاغوت، لم يصح في اللغة أن يقال: لجماعة الأعبد وإنما يقال: أعبد ولا يقال عبد، وقرأ الباقون (وعبد الطاغوت) يعني جعل منهم من عبد الطاغوت ومعناه خذلهم حتى عبدوا الشيطان. وروي عن ابن عباس أنه قرأ: (وعُبَّد الطاغوت) بضم العين ونصب الباء بالتشديد يعني جمع عابد، يقال: عابد وعبَّد مثل راكع وركَّع وساجد وسُجَّد، وقرأ ابن مسعود (وعبدوا الطاغوت) يعني يعبدون الطاغوت وقرأ بعضهم: (وعُبُدَ الطاغوت) بضم العين والباء ونصب الدال وهو جماعة العبيد. ويقال: عبيد وعُبُد على ميزان: رغيف ورُغُف وسرير وسُرُر. ثم قال: { أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً } يعني شر منزلة عند الله { وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ ٱلسَّبِيلِ } يعني أخطأ عن قصد الطريق وهو الهدى. ثم قال: { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُواْ ءَامَنَّا } وهم المنافقون من أهل الكتاب قالوا صدقنا ووجدنا نعتك وأرادوا بذلك أن يمدحهم المسلمون وهذا كقوله:وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ } [آل عمران:188] فأخبر الله تعالى عن حالهم فقال: { وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } يعني هم كافرون في الأحوال كلها ولا ينفعهم ذلك القول: { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } يعني عليم بمجازاتهم وهذا تهديد لهم.