الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ }

ثم قال تعالى: { سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحْتِ }. قرأ أبو عمرو وابن كثير والكسائي (السحت) بضم الحاء، وقرأ الباقون بضمة واحدة، وهما لغتان السُّحْتُ، والسُّحُت وهو الاستئصال، يقال: أسحته وسَحَتُّه إذا استأصله، وكانوا يأكلون الرِّشا وكان عاقبته الاستئصال، فسماه به كما قال:إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً } [النساء: 10] «أي: يأكلون ما عاقبته نار». وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " كل لحم نبت بالسحت فالنار أولى به، قالوا يا رسول الله وما السحت؟ قال: الرشوة في الحكم. وقال عليه السلام: لعن الله الراشي والمرتشي " وروي عن وهب بن منبه أنه قيل له: الرشوة حرام في كل شيء؟ فقال: لا إنما يكره من الرشوة، أن ترشو لتعطي ما ليس لك، أو تدفع حقاً قد لزمك، فأما إذا أردت أن ترشو لتدفع عن دينك ودمك ومالك فليس بحرام. قال الفقيه أبو الليث: وبهذا القول نأخذ، لا بأس بأن يدفع الرجل عن نفسه وماله بالرشوة. وهذا كما روي عن عبد الله بن مسعود أنه كان بالحبشة فرشا بدينارين وقال: إنما الإثم على القابض دون الدافع. ثم قال: { فَإِن جَاءَوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } يعني أهل الكتاب إذا خاصموا إليك فأنت بالخيار، إن شئت فاحكم بينهم وإن شئت فأعرض عنهم ولا تحكم بينهم، ثم قال: { وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِٱلْقِسْطِ }. يعني بالعدل، وهو الرجم. ولها وجه آخر: أن الصلح كان بينهم أن تكون جراحات بني قريظة نصف من جراحات بني النضير، وفي القتل كذلك، فأمر الله تعالى بأن يحكم بالعدل بينهم، وهو قوله عز وجل: { وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِٱلْقِسْطِ } { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } يعني العادلين في الحكم. وروي عن عكرمة أنه قال: { فَإن جاءوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ، أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ }. نسختها آية أخرى:وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } [المائدا: 49] وقال مجاهد: لم ينسخ من المائدة إلا آيتان قوله: { فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } نسختها،وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } [المائدا: 49]. وقوله:لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ } [المائدة: 2] نسختها، قوله:فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [التوبة: 5]. وقال الزهري: مضت السنة أن يرد أهل الكتاب في حقوقهم ومواريثهم إلى أهل دينهم، إلا أن يأتوا راغبين حكم الله، فيحكم بينهم بكتاب الله تعالى. وهذا القول، يوافق قول أبي حنيفة، أن لا يحكم بينهم ما لم يتراضوا بحكمنا.