الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

ثم قال عز وجل: { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } يعني خزائن السموات والأرض. يعني: خزائن السموات: المطر وخزائن الأرض: النبات. ويقال: له ملك السموات والأَرض يحكم فيها ما يشاء { يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ } إذا أصر على ذنوبه { وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ } إذا تاب ورجع، ومعناه أن السارق إذا تاب ورد المال لا يقطع ويتجاوز عنه وإن لم يتب قطعت يده. ألا ترى أن الله تعالى قال: { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ، يُعَذّبُ } إذا لم يتب ويتجاوز إذا تاب، فافعلوا أنتم مثل ذلك لأن الله تعالى مع قدرته يتجاوز عن عباده وهو قوله: { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } من المغفرة والعذاب. قوله تعالى: { يا أَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } نزلت في شأن «أبي لبابة بن عبد المنذر»، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حاصر بني قريظة فأشار إليهم أبو لبابة وكان حليفاً لهم، إنكم إن نزلتم من حصونكم قتلكم فلا تنزلوا، فنزلت هذه الآية: { يا أَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } أي يبادرون ويقعون في الكفر { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ: ءامَنَّا بِأَفْوٰهِهِمْ } يعني ذلك بألسنتهم { وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } في السر. وقال الضحاك نزلت الآية في شأن المنافقين كانت علانيتهم تصديقاً، وسرائرهم تكذيباً. قوله تعالى: { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ } يعني: قوالون للكذب وقال القتبي: تفسير { سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ } أي: قابلون للكذب لأن الرجل يسمع الحق والباطل، ولكن يقال: لا تسمعْ من فلان قولاً أي لا تقبله، ومعنى آخر: إنهم يسمعون منك ليكذبوا عليك لأنهم إنما جالسوه لكي يقولوا: سمعنا منه كذا وكذا، وإنما صار { سَمَّـٰعُونَ } رفعاً لأن معناه هم { سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ } من { سَمَّـٰعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } يعني أهل خيبر لم يأتوك وذلك أن رجلاً وامرأة من أهل خيبر زنيا فكرهوا رجمهما فكتبوا إلى يهود بني قريظة: أن يذهبوا بهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن حكم بالجلد رضوا عنه بحكمه، وإن حكم بالرجم لم يقبلوا، " وروى نافع عن ابن عمر أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكروا له: أن رجلاً وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟». فقالوا: يحممان ويجلدان يعني تسود وجوههما فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها آية الرجم فأتوا بالتوراة، فأتوا بها فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها وقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا صدق عبد الله بن سلام يا محمد، فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما "

السابقالتالي
2 3