قوله تعالى: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } فهذا نداء المدح، والنداء في القرآن على سبع مراتب: نداء المدح: مثل قوله:{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } [ الأنفال: 64 وغيرها] { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ }{ يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ } [المؤمنون: 51]. ونداء الذم مثل قوله تعالى:{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [التحريم: 7]{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ } [الجمعة: 6]. ونداء التنبيه، مثل قوله:{ يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَانُ } [الانفطار: 6 وغيرها]. ونداء الإضافة، مثل قوله{ يَا عِبَادِي } [الزمر: 53]. ونداء النسبة: مثل قوله:{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ } [الأعراف: 26]{ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ } [البقرة: 40 وغيرها]. ونداء الاسم: مثل قوله:{ يَٰإِبْرَٰهِيمُ } [هود: 76 وغيرها]{ يٰدَاوُودُ } [ص: 26]. ونداء التعبير، مثل قوله:{ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ } [المائدة: 19]. فها هنا نداء المدح: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } وهو من جوامع الكلم لأنه قال: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } يعني صدقوا، ولم يقل بأي شيء صدقوا، معناه الذين صدقوا بوحدانية الله تعالى، وصدقوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن وصدقوا بجميع الرسل، وبالبعث والحساب والجنة والنار. وقال عبد الله بن مسعود كل مؤدب يحب أن يؤتى أدبه، وإن أدب الله القرآن، فإذا سمعت الله يقول: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } فارعها سمعك، فإنه خير مأمور به، أو شر منهي عنه. ويقال: جميع ما في القرآن: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } نزل بالمدينة وكل ما يقال في القرآن: { يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } نزل أكثره بمكة، وقد قيل نزل بالمدينة أيضاً ويقال: كل ما في القرآن { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } ذكر في مقابله في الإنجيل: (يا أيها المساكين). ثم قال: { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } يعني أتموا الفرائض التي ذكر الله تعالى في القرآن، وعقد على عباده ما أحل لهم وحرم عليهم، أن يوفوا بها. وقال مقاتل: { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } يعني بالعهود التي بينكم وبين المشركين، ويقال: جميع العقود التي بينه وبين الناس، والتي بينه وبين الله تعالى، وهذا من جوامع الكلم، لأنه اجتمع فيه ثلاثة أنواع من العقود: أحدها: العقود التي عقد الله تعالى على عباده، من الأوامر والنواهي. والنوع الثاني: العقود التي يعقدها الإنسان بينه وبين الله تعالى من النذور والأيمان وغير ذلك. والنوع الثالث: العقود التي بينه وبين الناس: مثل البيوع والإجارات وغير ذلك، فوجب الوفاء بهذه العقود كلها. ثم قال: { أُحِلَّتْ لَكُمْ } يعني رخصت لكم { بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } والأنعام تشتمل على الإبل والبقر والغنم والوحش، دليله على قوله تعالى{ وَمِنَ ٱلأَنْعَـٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشًا } [الأنعام: 142] ثم قال:{ ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوٰجٍ } [الأنعام: 143 وغيرها]، وأما البهيمة فهي كل حي لا يتميز، وإنما قيل لها بهيمة لأنها أبهمت من أن تميز، ثم قال: { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } يعني رخصت لكم الأنعام كلها، إلا ما حرم عليكم في هذه السورة، وهي الميتة، والدم، ولحم الخنزير وغير ذلك، وذلك أنهم كانوا يحرمون السائبة، والبحيرة، فأخبر الله تعالى: أنهما حلالان { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } يعني إلا ما بين في هذه السورة.