الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } * { يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ } * { قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } * { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } * { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }

قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ: يَـٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } يعني احفظوا منة الله عليكم، ونعمته، { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ } قال في رواية الكلبي: يعني السبعين، سوى موسى وهارون عليهما السلام وهم الذين اختارهم موسى فانطلقوا معه إلى الجبل. ويقال: { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء } يعني في بني إسرائيل، فكان فيهم أربعة آلاف نبي - عليهم السلام - ثم قال: { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } يعني بعد العبودية لفرعون. قال ابن عباس: إن الرجل إذا لم يدخل عليه أحد في بيته إلا بإذنه فهو ملك. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } أي جعل لكم أزواجاً وخدماً وبيوتاً وبنين ويقال: من استغنى عن غيره فهو ملك.

وهذا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه وله قوت يومه فكأنما حِيزَتْ له الدنيا " ثم قال: { وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } يعني أعطاكم ما لم يعط أحداً من الخلق، وهو المن والسلوى، والغمام، وغير ذلك ثم قال عز وجل: { يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ } [يعني المطهرة، والمقدسة] في اللغة: هو المكان الذي يتطهر فيه، فتأويله البيت الذي يتطهر فيه الإنسان من الذنوب، ثم قال: { الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني التي أمركم الله أن تدخلوها ويقال: التي وعد لإبراهيم أن يكون ذلك له ولذريته وذلك أن الله وعد لإبراهيم أن يكون له مقدار ما يمد بصره (فصار ذلك ميراثاً منه حين خرج إبراهيم - عليه السلام - فقال له جبريل: انظر يا إبراهيم، فنظر فقال: يعطي الله تعالى لك ولذريتك مقدار مد بصرك من الملك) وهي أرض فلسطين وأردن وما حولهما. فقال موسى لقومه: { ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني التي جعل لأبيكم إبراهيم - عليه السلام - ولكم ميراث منه.

وقال القتبي: أصل الكتاب، ما كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ، ثم يتفرع منه المعاني، ويقال كتب، يعني، قضى كما قال:قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا } [التوبة: 51] ويقال: كتب أي فرض، كما قال: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ } أي فرض ويقال: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ } أي جعل كما قال:فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } [المائدة: 83 وغيرها] ويقال: كتب أي أمر كما قال { ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } يعني أمر الله لكم بدخولها. قال: ويقال كتب ها هنا بمعنى جعل. ثم قال تعالى: { وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِكُمْ } يعني لا ترجعوا عما أمرتم به من الدخول { فَتَنقَلِبُواْ } أي فتصيروا { خَـٰسِرِينَ } بفوات الدرجات ووجوب الدركات أي مغبونين في العقوبة. فبعث موسى - عليه السلام - اثني عشر رجلاً، من كل سبط رجلاً يأتيهم بخبر الجبارين، فلما أتوهم لقيهم بعض أصحاب تلك المدينة جاءوا وأخذوا أصحاب موسى، فجعل كل رجل، رجلين من أصحاب موسى - عليه السلام - في كمه حتى جاءوا بهم إلى الملك، ويقال: لقيهم رجل واحد اسمه «عوج»، فاحتملهم في ثوبه، وأتى بهم حتى ألقاهم بين يدي الملك؛ فنظر إليهم، وقال هؤلاء يريدون أن يأخذوا مدينتنا، فأراد قتلهم، فقالت امرأته (ايش تصنع بقتل هؤلاء الضعفاء)؟ ويكفيهم ما رأوا من أمر القوم وأمر هذه البلدة، فأَنْعِم عليهم، ودعهم حتى يرجعوا ويذهبوا إلى موسى وقومه بالخبر، فأرسلهم الملك، وأعطاهم عنقوداً من العنب فحملوه على عمودين فرجعوا إلى موسى - عليه السلام - وقالوا: فيما بينهم لا تخبروا قوم موسى بهذا الخبر، فإنهم يجبنون عن القتال، والله تعالى قد وعد لموسى، بأن يفتح عليهم هذه البلدة، ولا تخبروا أحداً سوى موسى.

السابقالتالي
2 3