الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله تعالى: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَارَى: نَحْنُ أبْنَاءُ ٱللهِ وأَحِبَّاؤُهُ } يعني نحن من الله تعالى بمنزلة الأبناء من الآباء، في المنزلة والكرامة، والوالد إذا سخط على ولده في وقت، يرضى عنه في وقت آخر. ويقال: معناه نحن أبناء الله وأحباؤه. قال الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - { قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم } يعني يحرقكم، لأنهم كانوا مقرين بأنه يحرقهم أربعين يوماً، أياماً معدودة، قل لهم فهل رأيتم والداً يحرق ولده، أو يحرق مُحِبَّه، ففي الآية دليل: أن الله تعالى إذا أحب عبده يغفر ذنوبه ولا يعذبه بذنوبه، لأنه احتج عليهم فقال: { فَلِمَ يُعَذِّبُكُم } إن كنتم أحباء الله تعالى وقال في آية أخرىإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة: 222]، ففيه دليل على أنه لا يعذب التوابين بذنوبهم، ولا المجاهدين الذين يجاهدون لقوله تعالىإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً } [الصف: 4] ثم قال { بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ } يعني أنتم لستم بأبناء الله، ولا أحبائه، ولكن أنتم خلق كسائر خلق الله تعالى، ثم قال: { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ } أي يتجاوز عمن يشاء فيهديه لدينه { وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ } فيهينه ويتركه على الكفر { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } من الخلق { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } يعني إليه المرجع، فيجزيهم بأعمالهم. قوله تعالى: { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ } يعني يا أهل التوراة والإنجيل، وإنما أضافهم إلى الكتاب - والله أعلم - على وجه التعبير، يعني أنتم أهل الكتاب فلم لا تعملون بكتابكم؟ كقوله: يا عاقل، لم لا تفعل كذا وكذا، وإنما تذكر العقل على معنى التعيير، أي إنك لا تعمل عمل العقلاء ثم قال: { قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا } يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم - { يُبَيِّنُ لَكُمْ } الدين والأحكام والشرائع { عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ } يعني بعد انقطاع من الرسل والوحي، وقال مقاتل: في الآية تقديم وتأخير، معناه قد جاءكم رسولنا على فترة من الرسل، يبين لكم، وإنما سمي فترة لأن الدين يفتر ويندرس عند انقطاع الرسل، يعني بين عيسى ومحمد - عليهما السلام - وقال قتادة: كان بين عيسى ومحمد - عليهما السلام - خمسمائة وستون سنة. وقال الكلبي: خمسمائة وأربعون سنة وقال الضحاك ومقاتل: كان بينهما ستمائة سنة. وقال وهب: كان بينهما ستمائة وعشرون سنة. ثم قال: { أَن تَقُولُواْ مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ } يعني لكي لا تقولوا ما جاءنا من رسول بعد ما درس الدين ليبشرنا وينذرنا { فَقَدْ جَاءكُمُ } محمد - صلى الله عليه وسلم - { بَشِيرٌ } بالجنة { وَنَذِيرٌ } من النار { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من المغفرة والعذاب وبعث الرسل.