الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ } * { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

قوله تعالى: { يـَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ شَهَـٰدَةُ بَيْنِكُمْ } (شهادة): رفع بالابتداء وخبره (اثنان) ومعناه شهادتكم فيما بينكم اثنان مسلمان عدلان { إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } فأراد أن يشهد على وصيته وكان مقيماً، ولم يكن مسافراً فَلْيُشْهِدْ على وصيته اثنين مسلمين { حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ ءاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ } يعني إذا كنتم في السفر ولم تقدروا على مسلمين فأشهدوا رجلين من غيركم، يعني من غير أهل دينكم. وروى مغيرة عن إبراهيم قال إذا كان الرجل في سفر فلم يجد المسلميْن يشهدهما على وصيته فيشهد غير أهل دينه فإن اتهما حبسا من بعد الصلاة فيغلظ عليهما في اليمين وإن شهد رجلان من الورثة أنهما خانا وكذبا صدقا بما قالا، وأخذ من الآخرين يعني من الشاهدين ما ادعى عليهما. وروي عن مجاهد أنه قال: إذا مات المؤمن في السفر لا يحضره إلا كافران أشهدهما على ذلك فإن رضي ورثته مما حلفا عليه من تركته فذلك، ويحلف الشاهدان أنهما لصادقان، فإن ظهر أنهما خانا حلف اثنان من الورثة وأبطلا أيمان الشاهدين. وروي عن شريح أنه قال: لا تجوز شهادة اليهودي والنصراني إلا في السفر ولا تجوز في السفر إلا على الوصية. وهكذا قال إبراهيم النخعي وبه قال ابن أبي ليلى واحتجوا بظاهر هذه الآية. وقال علماؤنا: لا يجوز شهادة الذمي على المسلم في الوصية ولا في غيره.

وروي عن عكرمة أنه قال: { أَوْ ءاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } قال: من غير عشيرتكم، وكذلك قال الحسن: { أَوْ ءاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } يعني من غير قبيلتكم كلهم من أهل العدالة، قال: ألا ترى إلى قوله { تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلـٰوةِ } وقال زيد بن أسلم: كان ذلك في رجل توفي وليس عنده أحد من أهل الإسلام وذلك كان في أول الإسلام، والأرض أرض الحرب والناس كفار إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالمدينة. وروى أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم، قال: أو آخران من غيركم قال: هي منسوخة. وقال الضحاك: نسخت هذه الآية بقوله تعالى:وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ } [الطلاق: 2] ورفع اليمين عن الشهود وأبطل شهادة أهل الذمة إلا بعضهم على بعض. ويقال: لنزول هذه الآية قصة وذلك أن ثلاثة نفر خرجوا إلى السفر تميم الدّاري وعدي بن زيد، وبديل بن ورقاء مولى العاص بن وائل السهمي أبي عمرو بن العاص فحضر بديل بن ورقاء الوفاة وكان مسلماً وأوصى إلى تميم الدّاري وإلى عدي بن زيد وكانا نصرانيين وأمرهما أن يسلّما أمتعته إلى أهله، وكتب أسماء الأمتعة وأدرجه في ثيابه فلما قدما المدينة وسلما المتاع إلى أهله فوجد أهله الكتاب وفيه أسماء الأمتعة، وفيه جام فضة لم يسلماه إليهم فخاصمهما المطلب بن أبي وداعة وعمرو بن العاص إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت الآية: { إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ } ، { فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ } بموت بديل بن ورقاء، { تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلـٰوةِ } يعني صلاة العصر.

السابقالتالي
2 3