الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } * { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ } * { فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله عز وجل: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء ٱلْحُجُرٰتِ } فالحجرات: جمع الحجرة، يقال حجرة وحجرات مثل ظلمة وظلمات، وقرىء في الشاذ الحجَرات بنصب الجيم، وقرأه العامة بالضم، ومعناهما واحد، نزلت الآية في شأن نفر من بني تميم، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أسامة بن زيد، فانتهى إلى قبيلة وكانت تسمى بني العنبر، فأغار عليهم وسبى زراريهم، فجاء جماعة منهم ليشتروا أسراهم، أو يفدوهم فنادوه وكان وقت الظهيرة وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحجرة فنادوه من وراء الحجرة، وكان لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - حجرات، فلما خرج النبي كلموه في أمر الزراري فقال لواحد منهم احكم، فقال: حكمت أن تخلي نصف الأسارى وتبيع النصف منا، ففعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت الآية إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُراتِ { أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } لأنهم لو لم ينادوه لكان يعتقهم كلهم وروى معمر عن قتادة أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فناداه من وراء الحجرات فقال يا محمد: إِنَّ مَدْحِي زَيْن، وإِن شَتْمِي شَيْن فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " وَيْلَكَ ذَلَّكَ اللَّهُ عز وجل " فَنَزل إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ الآية ثم قال عز وجل: { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } لمن تاب { رَّحِيمٌ } بهم بعد التوبة قوله عز وجل: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ } الآية نزلت في الوليد بن عقبة، بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني المصطلق ليقبض الصدقات، فخرجوا إليه ليبجلوه ويعظموه، فخشى منهم لأنه كان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: خرجوا إِليَّ بأسلحتهم، ومنعوا مني الصدقات، وأطرحوني وأرادوا قتلي، فهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبعث لقتالهم، فجاؤوا إلى المدينة وقالوا يا رسول الله: لما بلغنا قدوم رسولك خرجنا نبجله ونعظمه فانصرف عنا، فاغتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما فعل الوليد بن عقبة فنزل { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ } يعني: بحديث كذب، وبخبر كذب { فَتَبَيَّنُواْ } يعني: وتعرفوا ولا تعجلوا { أَنْ تُصِيببُواْ } يعني: كيلا تصيبوا { قَوْمَا بِجَهَالَةٍ } وأنتم لا تعلمون بأمرهم { فَتُصْبِحُواْ } يعني: فتصيروا { عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَـٰدِمِينَ } قرأ حمزة والكسائي " فَتَثَبَّتُوا " بالثاء، وقرأ الباقون " فَتَبَيَّنُواْ " مثل ما في سورة النساء، ثم قال للمؤمنين رضي الله عنهم { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مّنَ ٱلأَمْرِ } يعني: ما أمرتم به، لأن الناس كانوا قد حرضوه على إرسالهم لقتال بني المصطلق، { لَعَنِتُّمْ } يعني: لأثمتم، وروى أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري أنه قرأ هذه الآية: { لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ } يعني: هذا نبيكم وخياركم لو يطيعكم في كثير من الأمْر لعنتم فكيف بكم اليوم، ويقال: لعنتم أي لهلكتم، وأصله من عنت البعير إذا انكسرت رجله، ثم ذكر لهم النعم فقال { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَـٰنَ } يعني؛ جعل حب الإيمان في قلوبكم { وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ } يعني: حسنه للثواب الذي وعدكم، ويقال: دلكم عليه بالحجج القاطعة، ويقال: زينه في قلوبكم بتوفيقه إياكم لقبوله { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ } يعني: بغض إليكم المعاصي والكفر.

السابقالتالي
2