قال عز وجل: { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ } يعني الذين تخلفوا عن الحديبية { إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا } يعني إلى غنائم خيبر { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ } يعني اتركونا نتبعكم في ذلك الغزو { يُرِيدُونَ أَن يُبَدّلُواْ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ } يعني يغيروا كلام الله، يعني ما قال الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - لا تأذن لهم في غزاة أخرى، قرأ حمزة والكسائي (كَلِمَ اللَّهِ) وهو جمع بكلمة، والباقون (كَلاَمَ ٱللَّهِ) والكلام: اسم لكل ما يتكلم به { قُل لَّن تَتَّبِعُونَا } في المسير إلى خيبر إلاَّ متطوعين من غير أن يكون لكم شرك في الغنيمة { كَذَلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ } يعني من قبل الحديبية { فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا } يعني يقولون للمؤمنين إن الله لم ينهكم عن ذلك بل تحسدوننا على ما نصيب معكم من الغنائم، قال الله تعالى { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي لا يعقلون ولا يرغبون في ترك النفاق لا قليلاً ولا كثيراً، ويقال بل كانوا لا يفقهون النهي من الله تعالى إلا قليلاً منهم قوله عز وجل { قُل لّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } يعني الذين تخلفوا عن الحديبية مخافة القتال { سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ } يعني قتال شديد، قال بعضهم: يعني قتال أهل اليمامة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم، قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقال مجاهد: (إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ) يعني أهل الأوثان، وقال أيضاً هم أهل فارس وكذا قال عطاء، وقال سعيد بن جبير: هوازن وثقيف، وقال الحسن: فارس والروم { تُقَـٰتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } قرأ بعضهم (أَوْ يُسْلِمُوا) بألف من غير نون، وقراءة العامة بالنون، فمن قرأ (أَوْ يُسْلِمُوا) يعني حتى يسلموا أو إلى أن يسلموا، ومن قرأ بالنون فمعناه: تقاتلونهم أو هم يسلمون { فَإِن تُطِيعُواْ } يعني تجيبوا وتوقعوا القتال، وتخلصوا لله تعالى { يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً } يعني ثواباً حسناً في الآخرة { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مّن قَبْلُ } يعني تعرضوا عن الإجابة كما أعرضتم يوم الحديبية { يُعَذّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } يعني شديداً دائماً، فلما نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة والضعفاء فكيف بنا إذا دعينا إلى قتالتهم ولا نستطيع الخروج، فيعذبنا الله؟ فنزل قوله: { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } وهذا قول الكلبي، وقال مقاتل: نزل العذر في الذين تخلفوا عن الحديبية { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } يعني ليس عليهم إثم في التخلف { وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } يعني إثم { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في الغزو، ويقال: ومن يطع الله ورسوله في الغزو في السر والعلانية { يُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } وقد ذكرناه { وَمَن يَتَوَلَّ } يعني يعرض عن ذلك، يعني عن طاعة الله ورسوله بالتخلف { يُعَذّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } يعني شديداً دائماً، قرأ نافع وابن عامر (نُدْخِلْهُ وَنُعَذِّبْهُ) كلاهما بالنون، والباقون كلاهما بالياء، وكلاهما يرجع إلى معنى واحد قوله تعالى { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } يعني شجرة السمرة، ويقال: أم غيلان، قال قتادة: بايعوهُ يومئذ وهم ألف وأربعمائة رجل، وكان عثمان يومئذٍ بمكة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -