الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } * { فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } * { إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ } * { إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ } * { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم }

قوله تعالى: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } يعني: أطيعوه في السر كما في العلانية، ويقال: أطيعوا الله في الفرائض وأطيعوا الرسول في السنن، وفيما يأمركم من الجهاد { وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَـٰلَكُمْ } يعني: حسناتكم بالرياء، وقال أبو العالية: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يرون أنه لا يضر مع قول لا إلٰه إلا الله ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، حتى نزل { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَـٰلَكُمْ } فخافوا أن تبطل الذنوب الأعمال، وقال مقاتل: نزلت في الذين يمنون عليك أن أسلموا { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال مقاتل وذلك " أن رجلاً سأله عن والده أنه كان محسناً في كفره، قال: هو في النار، فولى الرجل يبكي، فدعاه فقال له: والدك ووالدي ووالد إبراهيم في النار " فنزل { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } { ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } قال الكلبي: نزلت الآية في رؤساء أهل بدر قوله تعالى: { فَلاَ تَهِنُواْ } يعني: لا تضعفوا عن عدوكم: { وَتَدْعُواْ إِلَى ٱلسَّلْمِ } يعني: إلى الصلح، أي: لا تهنوا ولا تدعوا إلى الصلح نظير قوله تعالى:وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَـٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ } [البقرة: 42] يعني: ولا تكتموا الحق، وفي هذه الآية دليل على أن أيدي المسلمين إذا كانت عالية على المشركين لا ينبغي لهم أن يجيبوهم إلى الصلح لأن فيه ترك الجهاد، وإن لم تكن يدهم عالية عليهم فلا بأس بالصلح لقوله تعالى:وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا } [الأنفال: 61] يعني: إن مالوا للصلح فمل إليه، قرأ حمزة في رواية أبي بكر: إلى السِلم بكسر السين، والباقون بالنصب قال بعضهم: وهما لغتان، وقال بعضهم: أحدهما صلح، والآخر استسلام، ثم قال: { وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ } يعني: العالين يكون آخر الأمر لكم { وَٱللَّهُ مَعَكُمْ } يعني: معينكم وناصركم { وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ } يعني: لن ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئاً، يقال وترتني حقي يعني: بخستني فيه، وقال مجاهد: لن ينقصكم، وقال قتادة: لن يظلمكم { إِنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } يعني: باطل وفرح { وَإِن تُؤْمِنُواْ } أي تستقيموا على التوحيد { وَتَتَّقُواْ } النفاق { يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ } يعني: يعطكم ثواب أعمالكم { وَلاَ يَسْـئَلْكُمْ أَمْوٰلَكُمْ } يعني: لا يسألكم جميع أموالكم، ولكن ما فضل منها { إِن يَسْـئَلْكُمُوهَا } يعني: جميع الأموال { فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ } يعني: إن يلح عليكم بما يوجبه في أموالكم، ويقال فيحفكم يعني: يجهدكم كثرة المسألة، تبخلوا بالدفع { وَيُخْرِجْ أَضْغَـٰنَكُمْ } يعني: يظهر بغضكم، وعداوتكم لله تعالى، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين، ويقال ويخرج ما في قلوبكم من حب المال، يقول هذا للمسلمين، ويقال هذا للمنافقين، يعني يظهر نفاقكم، وقال قتادة علم الله أن في مسألة الأموال خروج الأضغان.

السابقالتالي
2