الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ }

قوله تبارك وتعالى: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي جحدوا بتوحيد الله تعالى وبالقرآن { وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي صرفوا الناس عن طاعة الله، وهو الجهاد { أَضَلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ } يعني أبْطَلَ الله حسناتهم التي عملوا في الدنيا، لأنهم عملوا بغير إيمان، وكل عمل يكون بغير إيمان فهو باطل، كما قالوَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } [آل عمران: 85] الآية، قال الكلبي نزلت في مطعمي بدر، وهم رؤساء مكة الذين كانوا يطعمون الناس في حال خروجهم إلى بدر، منهم أبو جهل والحارث ابنا هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبي وأمية ابنا خلف، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج وغيرهم، ويقال هذا في عامة الكفار، وهذا كقولهوَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَـٰلُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } [النور: 39] الآية وروى مجاهد عن ابن عباس قال: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } هم أهل مكة { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } قال هم الأنصار، الذين آمنوا يعني: صدقوا بالله تعالى وبمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وبالقرآن، وعملوا الصالحات: يعني أدوا الفرائض والسنن وهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن كان في مثل حالهم { وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } يعني: صدقوا بما أنزل جبريل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو الحق وليس فيه باطل ولا تناقض { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيّئَـٰتِهِمْ } يعني: محا عنهم ذنوبهم التي عملوا في الشرك بإيمانهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وطاعتهم لله تعالى فيما يأمرهم به من الجهاد { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } يعني: حالهم، وهذا قول قتادة، وقال مقاتل: يعني: بين أمورهم في الإسلام، وعملهم وحالهم حتى يدخلوا الجنة، وروى مجاهد (وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) يعني شأنهم، وقال القتبي { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيّئَـٰتِهِمْ } أي سترها { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } أي حالهم ويقال: أصلح بالهم يعني: أظهر الله تعالى أمرهم في الإسلام حتى يقتدى بهم، ثم بين المعنى الذي أحبط أعمال الكافرين، وأصلح شأن المؤمنين فقال: { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني: ذلك الإبطال بأن الذين كفروا { ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَـٰطِلَ } يعني: اختاروا الشرك وثبتوا عليه، ولم يرغبوا في الإسلام، ويقال: معناه لأنهم اختاروا الباطل على الحق، واتباع الهوى على اتباع رضى الله سبحانه وتعالى { وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } وهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - { ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبّهِمْ } يعني: اتبعوا القرآن وعملوا به، ويقال: معناه اختاروا الإيمان على الكفر، واتباع القرآن واتباع رضى الله تعالى، على اتباع الهوى قوله تعالى: { كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَـٰلَهُمْ } يعني: هكذا يبين الله صفة أعمالهم، ثم حرض المؤمنين على القتال فقال: { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرّقَابِ... }.