الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ ٱلأَمْرِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } * { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَٰنَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَانَهُمْ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } * { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ }

قوله تعالى: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءانَ } يعني: أفلا يسمعون القرآن ويعتبرون به، ويتفكرون فيما أنزل الله تعالى فيه من وعد ووعيد، وكثرة عجائبه، حتى يعلموا أنه من الله تعالى وتقدس { أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } يعني: بل على قلوب أقفالها، يعني: أقفل على قلوبهم ومعناه أن أعمالهم لغير الله ختم على قلوبهم قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ } يعني: رجعوا إلى الشرك { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى } يعني: من بعد ما ظهر لهم الإسلام، قال قتادة { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ } وهم أهل الكتاب عرفوا نعت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكفروا به، ويقال نزلت في المرتدين ثم قال عز وجل: { ٱلشَّيْطَـٰنُ سَوَّلَ لَهُمْ } يعني: زين لهم ترك الهدى، وزين لهم الضلالة { وَأَمْلَىٰ لَهُمْ ذٰلِكَ } قرأ أبو عمرو: { وَأُمْلِىَ } بضم الألف وكسر اللام وفتح الياء على معنى فعل ما لم يسم فاعله، والباقون { وَأَمْلَى } بنصب اللام والألف، يعني: أمهل الله لهم فلم يعاقبهم حين كذبوا محمداً - صلى الله عليه وسلم -، ويقال زين لهم الشيطان وأملى لهم الشيطان يعني: خيل لهم تطويل المدة والبقاء، وقرأ يعقوب الحضرمي (وَأُمْلِي) بضم الألف وكسر اللام وسكون الياء، ومعناه أنا أملي يعني: أطول لهم المدة، كما قال: { إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً } ثم قال ذلك يعني: اللعن والصمم والعمى والتزين والإملاء { بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ } وهم المنافقون قالوا ليهود بني قريظة والنضير، وهم الذين كرهوا ما نزل الله، يعني تركوا الإيمان بما أنزل الله من القرآن { سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ ٱلأَمْرِ } يعني: سنغنيكم في بعض الأمر { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } فيما قالوا فيما بينهم قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص (إِسْرَارَهُم) بكسر الألف، والباقون بالنصب فمن قرأ بالنصب فهو جمع السر، ومن قرأ بالكسر فهو مصدر أسررت إسراراً، ويقال: سر وأسرار، ثم خوفهم فقال الله تعالى { فَكَيْفَ } يعني: كيف يصنعون { إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } يعني: تقبض أرواحهم الملائكة، ملك الموت وأعوانه { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـٰرَهُمْ } يعني: عند قبض الأرواح، ويقال يعني يوم القيامة في النار { ذٰلِكَ } أي ذلك الضرب الذي نزل بهم عند الموت وفي النار { بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَا أَسْخَطَ ٱللَّهَ } يعني: اتبعوا الكفر، وتكذيب محمد - صلى الله عليه وسلم - { وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ } يعني: عملوا بما لم يرض الله به، وتركوا العمل بما يرضي الله تعالى { فَأَحْبَطَ أَعْمَـٰلَهُمْ } يعني: أبطل ثواب أعمالهم قوله تعالى: { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } يعني: أيظن أهل النفاق والشك { أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَـٰنَهُمْ } يعني: لم يظهر الله نفاقهم، ويقال: يعني الغش الذي في قلوبهم للمؤمنين وعداوتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - { وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَـٰكَهُمْ } يعني: لعرفتك المنافقين وأعلمتك { فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَـٰهُمْ } يعني: بعلاماتهم الخبيثة، ويقال: { فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَـٰهُمْ } إذا رأيتهم، ويقال: لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة فلعرفتهم بسيماهم، يعني: حتى عرفتهم { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } يعني: ستعرفهم يا محمد بعد هذا اليوم في لحن القول يعني في محاورة الكلام، ويقال { فِى لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } يعني: كذبهم إذا تكلموا، فلم يخفَ على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول هذه الآية منافق عنده إلا عرفه بكلامه ثم قال: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَـٰلَكُمْ } يعني: لم يخف عليه أعمالكم قبل أن تعملوها فكيف يخفى عليه إذا عملتموها { وَلَنَبْلُوَنَّكُم } يعني لنختبرنكم عند القتال { حَتَّىٰ نَعْلَمَ } أي نميز { ٱلْمُجَـٰهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّـٰبِرِينَ } يعني: صبر الصابرين عند القتال { وَنَبْلُوَ أَخْبَـٰرَكُمْ } يعني: نختبر أعمالكم، ويقال: أسراركم، قرأ عاصم في رواية أبي بكر { وَلَيَبْلُونَّكُم حَتَّى يَعْلَمَ وَيَبْلُوَا } الثلاثة كلها بالياء، يعني: يختبركم الله والباقون الثلاثة كلها بالنون على معنى الإضافة إلى نفسه قوله عز وجل: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني: جحدوا { وَصُدُّواْ } يعني: صرفوا الناس عن دين الإسلام { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال مقاتل: يعني: اليهود، وقال الكلبي: يعني رؤساء قريش حيث شاقوا أهل التوحيد { وَشَاقُّواْ ٱلرَّسُولَ } يعني: عادوا الله تعالى ورسوله، وخالفوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدين { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى } يعني: الإسلام وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه الحق { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } يعني: لن ينقصوا الله من ملكه شيئاً، بكفرهم، بل يضروا بأنفسهم { وَسَيُحْبِطُ أَعْمَـٰلَهُمْ } يعني: يبطل ثواب أعمالهم التي عملوا في الدنيا فلا يقبلها منهم.