الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } * { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ }

{ وَٱلَّذِى قَالَ لِوٰلِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا } يعني عبد الرحمن بن أبي بكر، قال لوالديه أف لكما يعني قدراً لكما، وهو الرديء من الكلام، وقد ذكرنا الاختلاف في موضع آخر، وقد قرىء على سبع قراءات: بالنصب، والضم، والكسر، وكل قراءة تكون بالتنوين وبغير تنوين، فتلك ست قراءات، والسابع أفْ بالسكون، { أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ } يعني أن أبعث بعد الموت، وذلك قبل أن يسلم { وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِى } أي مضت الأمم ولم يبعث أحدهم { وَهُمَا يَسْتَغثِيَانِ ٱللَّهَ } يعني أبويه يدعوان الله تعالى له بالهدى، اللهم اهده وارزقه الإيمان، ويقولان له { وَيْلَكَ ءامِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } يعني ويحك أسلم وصدق بالبعث، فإن البعث كائن { فَيَقُولُ } لهما { مَا هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } يعني كذبهم، فقال عبدالرحمن إن كنتما صادقين فأخرجا فلاناً وفلاناً من قبورهما فنزل { أُوْلَـٰئِكَ } يعني القرون التي ذكر { ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } أي وجب عليهم العذاب { فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ } يعني في أمم قد مضت من قبلهم من كفار { مّنَ ٱلْجِنّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَـٰسِرِينَ } في الآخرة بالعقوبة، فأسلم عبد الرحمن وحسن إسلامه، وذكر في الخبر أن مروان بن الحكم قال نزلت هذه الآية في شأن عبد الرحمن أخ عائشة، فبلغ ذلك عائشة فقالت: بل نزلت في أبيك وأخيك قوله عز وجل { وَلِكُلّ دَرَجَـٰتٌ مّمَّا عَمِلُواْ } يعني فضائل في الثواب مما عملوا { وَلِيُوَفّيَهُمْ أَعْمَـٰلَهُمْ } أي أجورهم { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } يعني لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئاً، ولا يزادون على سيئات أعمالهم قوله تعالى: { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } يعني يكشف الغطاء عنها، فينظرون إليها، فيقال لهم: { أَذْهَبْتُمْ طَيّبَـٰتِكُمْ } يعني أكلتم حسناتكم { فِى حَيَـٰتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } يعني انتفعتم بها في الدنيا، وقرأ ابن عامر (أَأَذْهَبْتُمْ) بهمزتين، وقرأ ابن كثير (آذْهَبْتُمْ) بالمد ومعناهما واحد، ويكون استفهاماً على وجه التوبيخ، والباقون (أَذْهَبْتُمْ) بهمزة واحدة بغير مد على معنى الخبر وروي عن عمر أنه اشتهى شراباً فأتي بقدح فيه عسل، فأدار القدح في يده قال: أشربها فتذهب حلاوتها، أو تبقى نقمتها، ثم ناول القدح رجلاً، فسئل عن ذلك فقال: خشيت أن أكون من أهل هذه الآية { أَذْهَبْتُمْ طَيّبَـٰتِكُمْ فِى حَيَـٰتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } وروي عن عمر أنه دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على حصير وقد أثر بجنبه الشريط، فبكى عمر، فقال: ما يبكيك يا عمر؟ فقال: ذكرت كسرى وقيصر وما كانا فيه من الدنيا، وأنت رسول رب العالمين قد أثر بجنبك الشريط، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ونحن قَوم أُخِّرَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا في الآخرة " قوله { فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } يعني العذاب الشديد { بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } يعني تستكبرون عن الإيمان { وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ } يعني تعصون الله تعالى.