الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } * { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ } * { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } * { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } * { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ }

{ وَلَمَّا جَاء عِيسَىٰ بِٱلْبَيّنَـٰتِ } يعني: بالآيات والعلامات، وهو إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، ويقال: بالبينات يعني: بالإنجيل { قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ } يعني: بالنبوة { وَلأُبَيّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } قال بعضهم يعني: كل الذي تختلفون فيه، وقال بعضهم: معناه لأبين تحليل بعض الذي تختلفون فيه، كقولهوَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } [آل عمران: 50] وكانوا في ذلك التحريم مختلفين، فمصدق ومكذب { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } فيما آمركم به من التوحيد قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ } يعني: خالقي وخالقكم { فَٱعْبُدُوهُ } يعني: وحدوه وأطيعوه { هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ } يعني: دين الإسلام { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } أي تفرقوا في أمر عيسى، وهم النسطورية، والماريعقوبية، والملكانية، وقد ذكرناه من قبل، ويقال: الأحزاب، تحزبوا وتفرقوا في أمر عيسى، وهم اليهود فقالوا فيه قولاً عظيماً، وفي أمه فقالوا إنه ساحر، ويقال اختلفوا في قتله { فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ ظَلَمُواْ } يعني: أشركوا { مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ } يعني: عذاب يوم شديد قوله تعالى: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ } يعني: ما ينظرون إذا لم يؤمنوا إلا الساعة { أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } يعني: فجأة { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } بقيامها قوله تعالى: { ٱلأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } قال مجاهد: الأخلاء في معصية الله تعالى في الدنيا يومئذٍ متعادين في الآخرة { إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } الموحدين قال مقاتل: نزلت في أبي بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وقال الكلبي: كل خليل في غير طاعة الله فهو عدوٌّ لخليله، وروى عبيد بن عمير قال: كان لرجل ثلاثة أخلاء بعضهم أخص به من بعض، فنزلت به نازلة، فلقي أخص الثلاثة فقال يا فلان إني قد نزل بي كذا وكذا، وإني أحب أن تعينني، فقال له ما أنا بالذي أعينك ولا أنفعك فانطلق إلى الذي يليه، فقال له: أنا معك حتى أبلغ المكان الذي تريده ثم رجعت وتركتك، فانطلق إلى الثالث فقال له أنا معك حيثما دخلت، قال: فالأول ماله، والثاني أهله وعشيرته، والثالث عمله، وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن قوله { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } فقال: خليلان مؤمنان، وخليلان كافران، فتوفي أحد المؤمنين فيثني على صاحبه خيراً، ثم يموت الآخر، فيجمع بين أرواحهما فيقول كل واحد منهما لصاحبه نعم الأخ ونعم الصاحب، ويموت أحد الكافرين فيثني على صاحبه شراً، ثم يموت الآخر، فيجمع بين أرواحهما فيقول كل واحد منهما لصاحبه بئس الأخ وبئس الصاحب قوله تعالى: { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } يعني: يوم القيامة، ثم وصفهم فقال: { ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } يعني: مخلصين بالتوحيد قوله تعالى: { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوٰجُكُمْ تُحْبَرُونَ } يعني: تكرمون وتنعمون، ويقال: ترون، والحبرة: السرور قوله تعالى: { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَـٰفٍ مّن ذَهَبٍ } قال كعب: يطاف عليهم بسبعين ألف صحفة من ذهب في كل صحفة لون وطعام ليس في الأخرى، والصحفة هي القصعة { وَأَكْوابٍ } وهي الأباريق التي لا خراطيم لها يعني: مدورة الرأس، ويقال التي لا عُرى لها، واحدها كوب { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ } يعني: تتمنى كل نفس { وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } من النظر إليها { وَأَنتُمْ فِيهَا خَـٰلِدُون وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ } يعني: هذه الجنة { ٱلَّتِى أُورِثْتُمُوهَا } يعني: أنزلتموها { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } يعني: دخلتموها برحمة الله تعالى، بإيمانكم، واقتسمتموها بأعمالكم { لَكُمْ فِيهَا فَـٰكِهَةٌ كَثِيرَةٌ } لا تنقطع، لقوله

السابقالتالي
2