الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } * { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِٱلْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَقَالُواْ يَٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } * { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } * { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } * { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } * { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } * { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَقَالَ إِنِّى رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وقد ذكرناه { فَلَمَّا جَاءهُم بِـئَايَـٰتِنَا } يعني: باليد والعصا { إِذَا هُم مِنْهَا يَضْحَكُونَ } يعني: يعجبون ويسخرون { وَمَا نُرِيِهِم مّنْ ءايَةٍ إِلاَّ هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } يعني: أعظم من التي كانت قبلها، وهي السنين، والنقص من الثمرات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، فلم يؤمنوا بشيء { وَأَخَذْنَـٰهُم بِٱلْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } يعني: عاقبناهم بهذه العقوبات لكي يرجعوا، ويعرفوا ضعف معبودهم { وَقَالُواْ يـَٰأَيُّهَا ٱلسَّاحِرُ } وكان الساحر فيهم عظيم الشأن، يعني: قالوا لموسى يا أيها العالم { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ } أي سل لنا ربك { بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } يعني: بحق ما أمرك به ربك أن تدعو إليه { إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } يعني: نؤمن بك ونوحد الله تعالى قوله تعالى: { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } يعني: ينقضون عهودهم { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ } يعني: خطب فرعون لقومه { قَالَ يَـا قَوْمٌ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ } وهي أربعون فرسخاً، في أربعين فرسخاً { وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَـٰرُ تَجْرِى مِن تَحْتِى } يعني: من تحت يدي، ويقال من حولي، وحول قصوري وجناني { أَفلاَ تُبْصِرُونَ } فضلي على موسى { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ } يعني: خير، وأم للصلة، من هذا الذي هو مهين يعني: ضعيف ذليل { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } يعني: لا يكاد يعبر حجة، ويقال معناه: ألا تنظرون إلى فصاحتي، وإلى عي كلام موسى { فَلَوْلاَ أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مّن ذَهَبٍ } يعني: هلا أعطي أسورة من ذهب، يعني لو كان حقاً وكان رسولاً كما يقول لأعطي له المال فيكون حاله خيراً من هذا، وكان آل فرعون يلبسون الأساور، قرأ عاصم في رواية حفص (أَسْورَةٌ) بغير ألف، والباقون (أَسَاوِرَةٌ) فمن قرأ أسورة، فهو جمع السوار، ومن قرأ أساورة، فهو جمع الجمع، ويقال أساور جمع سوار ثم قال: { أَوْ جَاء مَعَهُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } يعني: لو كان حقاً لأتته الملائكة متتابعين فيصدقون على مقالته، ويقال (مُقْتَرِنِينَ) أي: متعاونين { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } يعني: فاستذل قومه فأطاعوه، يعني: حملهم على الخفة فانقادوا له { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } يعني: كافرين عاصين، وذلك أن فرعون قال لهم مَا أُريكُم إلاَّ مَا أرَى فأطاعوه على تكذيب موسى عليه السلام { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } يعني: ناقضي العهد قوله تعالى: { فَلَمَّا ءاسَفُونَا } يعني: أغضبونا، قال أهل اللغة: الأسف الغضب، وروى معمر عن سماك بن الفضل قال كنا عند عروة بن محمد وعنده وهب بن منبه فجاء قوم فشكوا عاملهم وأثبتوا على ذلك، فتناول وهب عصا كانت في يد عروة فضرب بها رأس العامل حتى أدماه فاستعابها عروة، وكان حليماً وقال: يعيب علينا أبو عبد الله، الغضب، وهو يغضب، فقال وهب: وما لي لا أغضب وقد غضب الذي خلق الأحلام، إن الله تعالى يقول { فَلَمَّا ءاسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } يعني: أغضبونا، ويقال فلما آسفونا يعني: وجب عليهم عذابنا { ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } يعني: أهلكناهم { فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ } يعني: لم نبق منهم أحداً قوله تعالى: { فَجَعَلْنَـٰهُمْ سَلَفاً } قال مجاهد يعني: كفار قوم فرعون سلفاً لكفار مكة، أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال قتادة: جعلناهم سلفاً إلى النار، قرأ حمزة والكسائي (سُلْفاً) بالضم، وقرأ الباقون (سَلفاً) بنصب السين واللام فمن قرأ بالنصب فمعناه: جعلناهم سلفاً متقدمين ليتعظ بهم الآخرون، ومن قرأ بالضم، فهو جمع سليف أي جمع قد مضى ويقال سلفاً واحدها سلفة من الناس أي قطعة، قوله { وَمَثَلاً لّلآخِرِينَ } يعني: عبرة لمن بعدهم.