الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } * { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } * { وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } * { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } * { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } * { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ }

{ وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً } يقول: لولا أن يرغب الناس في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة المال وقال الحسن لولا أن يتتابعوا في الكفر { لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضَّةٍ } وهي سماء البيت { وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } يعني: الدرج عليها يرتقون ويرتفعون، وقال الزجاج: يصلح أن يكون لبيوتهم بدلاً من قوله { لِمَن يَكْفُرُ } ويكون المعنى لجعلنا لبيوت من يكفر بالرحمن، ويصلح أن يكون معناه لجعلنا لمن يكفر بالرحمن على بيوتهم، قرأ ابن كثير وأبو عمرو «لِبُيُوتِهِم سَقْفاً» بنصب السين وجزم القاف ويكون عبارة عن الواحد فدل على الجمع، والمعنى لجعلنا لبيت كل واحد منهم سقفاً من فضة، وقرأ الباقون سُقُفاً بالضم على معنى الجمع، ويقال سقف ومسقف مثل رهن ورهن، قوله تعالى: { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوٰباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } يعني: يجلسون وينامون { وَزُخْرُفاً } وهو الذهب يعني: لجعلنا هذا كله من ذهب وفضة، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لَوْلاَ أنْ يَجْزَعَ عَبْدِي المُؤْمن، لَعَصَّبْتُ الكَافِرَ بِعِصَابةٍ مِن حَدِيدٍ وَلَصَبَبْتُ عَلَيه الدُّنْيَا صَبّاً " وإنما أراد بعصابة الحديد كناية عن صحة البدن يعني: لا يصدع رأسه، ثم أخبر أن ذلك كله مما يفنى فقال: { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَـٰعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } وما: ها هنا زيادة، ومعناه وإن كل ذلك لمتاع، ويقال وما ذلك إلا متاع الحياة الدنيا يفنى ولا يبقى { وَٱلآخِرَةُ } يعني: الجنة للذين يتقون الشرك، والمعاصي والفواحش قرأ عاصم وابن عامر في رواية هشام { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا } بتشديد الميم، وقرأ الباقون بالتخفيف، فمن قرأ بالتخفيف فما: للصلة والتأكيد، ومن قرأ بالتشديد فمعناه وما كل ذلك إلا متاع، وقال مجاهد كنت لا أعلم (ما) الزخرف، حتى سمعت في قراءة عبد الله بيتاً من ذهب، قوله تعالى: { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } قال الكلبي يعني: يعرض عن الإيمان والقرآن، يعني لا يؤمن، ويقال: من يعمى بصره عن ذكر الرحمن، وقال أبو عبيدة: من يظلم بصره عن ذكر الرحمٰن { نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً } يعني: نسيب له شيطاناً مجازاة لإعراضه عن ذكر الله، ويقال نسلط عليه، ويقال نقدر له، ويقال نجعل له شيطاناً { فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } يعني: يكون له صاحباً في الدنيا فيزين له الضلالة، ويقال فهو له قرين يعني قرينه في سلسلة واحدة لا يفارقه يعني في النار، وروي عن سفيان بن عيينة أنه قال: ليس مثل من أمثال العرب إلا وأصله في كتاب الله تعالى، قيل له: من أين قول الناس أعطى أخاك تمرة، فإن أبى فجمرة. فقال قوله: { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً } الآية { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } يعني: الشياطين يصرفونهم عن الدين { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } يعني: الكفار يظنون أنهم على الحق { حَتَّىٰ إِذَا جَاءنَا } قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر (جَانَا) بالمد بلفظ التثنية يعني الكافر وشيطانه الذي هو قرينه، وقرأ الباقون (جَاءنَا) بغير مد يعني الكافر يقول لقرينه { قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } يعني: ما بين المشرق والمغرب، ويقال بين مشرق الشتاء ومشرق الصيف { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } يعني: بئس الصاحب معه في النار، ويقال هذا قول الله تعالى: { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } يعني: بئس الصاحب معه في النار، ويقال هذا قول الكافر يعني: بئس الصاحب كنت أنت في الدنيا وبئس الصاحب اليوم، فيقول الله تعالى: { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ } الاعتذار { إِذ ظَّلَمْتُمْ } يعني: كفرتم وأشركتم في الدنيا { أَنَّكُمْ فِى ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } يعني: أنكم جميعاً في النار التابع والمتبوع في العذاب سواء.

السابقالتالي
2