الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } * { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } * { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } * { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

{ فَمَا أُوتِيتُمْ مّن شَىْء } يعني ما أعطيتم من الدنيا { فَمَتَـٰعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي منفعة الحياة الدنيا { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } أي ما عند الله في الآخرة من الثواب والكرامة خير وأبقى يعني أدوم، ثم بين لمن يكون ذلك الثواب فقال: { لِلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أي يثقون به تعالى ويفوضون الأمر إليه قوله تعالى { وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَـٰئِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوٰحِشَ } وهذا نعت المؤمنين أيضاً الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، قرأ حمزة والكسائي (كَبِير الإثْمِ) بغير ألف بلفظ الواحد، لأن الواحد يدل على الجمع، والباقون (كبائر) وهو جمع كبيرة، والكبيرة: ما أوجب الله تعالى الحد عليها في الدنيا، أو العذاب في الآخرة، ثم قال { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } يعني: إذا غضبوا على أحد يتجاوزون، ويكظمون الغيظ ثم قال: { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمْ } يعني أجابوا وأطاعوا ربهم فيما يدعوهم إليه ويأمرهم به { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } يعني أتموا الصلوات الخمس في مواقيتها { وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ } يعني إذا أرادوا حاجة تشاوروا فيما بينهم، وروي عن الحسن أنه قال: هم الذين إذا حزبهم أمر استشاروا أُولي الرأي منهم { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } يعني يتصدقون في طاعة الله ثم قال { وَٱلَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْىُ } يعني الظلم { هُمْ يَنتَصِرُونَ } أي ينتقمون ويقتصون روى سفيان عن منصور عن إبراهيم أنه قال كانوا يكرهون أن يستذلوا، ويحبون العفو إذا قدروا، قوله تعالى { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } يعني يعاقب مثل عقوبته لغيره { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ } يعني عفا عن مظلمته، وأصلح بالعفو { فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } يعني ثوابه على الله { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ } يعني لمن يبدأ بالظلم، روي عن زيد بن أسلم أنه قال: كانوا ثلاث فرق، فرقة بالمدينة، وفرقتان بمكة، إحداهم تصبر على الأذى، والثانية تنتصر والثالثة تكظم، فنزلت الآية { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمْ } نزلت في الذين بالمدينة { وَٱلَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْىُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } نزلت في الذين ينتصرون، وقوله { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ } نزلت في الذين يصبرون، فأثنى الله تعالى عليهم جميعاً قوله عز وجل { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مّن سَبِيلٍ } ثم نزل في الظالمين { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ } " وذكر أن أبا بكر رضي الله عنه، كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورجل من المنافقين يسبه وأبو بكر رضي الله عنه لم يجبه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساكت يبتسم، فأجابه أبو بكر، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وذهب، فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما دام يسبني كنت جالساً، فلما أجبته قمت، فقال - عليه السلام - إن الملك كان يجيبه عنك، فلما أجبته ذهب الملك وجاء الشيطان، وأنا لا أجلس في مجلس يكون فيه الشيطان "

السابقالتالي
2