الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } * { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } * { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } * { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } * { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } يعني: قالوا ربنا الله فعرفوه، واستقاموا على المعرفة، وقال القتبي: يعني آمنوا ثم استقاموا على طاعة الله، وقال ابن عباس في رواية الكلبي: ثم استقاموا على ما افترض الله عليهم، وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية ثم قال: أتدرون ما استقاموا عليه؟ فقالوا ما هو يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: استقاموا ولم يشركوا، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثم استقاموا ولم يروغوا روغان الثعلب على طاعة الله، فقال ابن عباس في رواية القتبي ثم استقاموا، وعن أبي العالية أنه قال ثم استقاموا أي أخلصوا له الدين والعمل، ويقال: وحدوا الله تعالى واستقاموا على طاعته، ولزموا سنة نبيه، وقال بعض المتأخرين: معناه ثم استقاموا أفعالاً كما استقاموا أقوالاً، وقد قيل أيضاً { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } يعني: يقولون الله مانعنا ومعطينا، وضارنا ونافعنا { ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } على ذلك القول، ولا يرون النفع ولا يرجون من أحد دون الله تعالى، ولا يخافون أحداً دون الله، فذكر أعمالهم، ثم ذكر ثوابهم فقال { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } قال الكلبي يعني: تتنزل عليهم الملائكة عند قبض أرواحهم ويبشرونهم ويقولون { أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } يعني: لا تخافوا ما أمامكم من العذاب، ولا تحزنوا على ما خلفكم من الدنيا، وقال مقاتل: تتنزل عليهم الملائكة يعني: تتنزل عليهم الحفظة من السماء يوم القيامة فتقول له أتعرفني؟ فيقول لا. فيقول: أنا الذي كنت أكتب عملك، وبشره بالجنة فذلك قوله: { وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ } في الدنيا، وقال زيد بن أسلم البشرى في ثلاث مواطن: عند الموت، وفي القبر وفي البعث، وقال بعض المتأخرين: هذه البشرى للخائف الحزين لا للآمن المستبشر، يعني: الذي كان خائفاً في الدنيا ثم قال عز وجل: { نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَاةِ } يعني: تقول لهم الحفظة نحن كنا أولياءكم في الحياة الدنيا، ونحن أولياؤكم { وَفِى ٱلأَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ } يعني: لكم في الجنة ما تحب وتتمنى قلوبكم { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } يعني: تسألون ثم قال: { نُزُلاً } أي رزقاً { مّنْ غَفُورٍ } للذنوب العظام { رَّحِيمٌ } بالمؤمنين، حكى الزجاج عن الأخفش " نُزُلاً " منصوباً من وجهين: أحدهما على المصدر فمعناه: أنزلناه نزلا، ويجوز أن يكون على الحال قوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً } قال بعضهم الآية نزلت في شأن المؤذنين، يدعون الناس إلى الصلاة، { وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً } يعني: صلى بين الأذان والإقامة ويقال: الأنبياء يدعون الخلق إلى توحيد الله تعالى، وعمل صالحاً: يعني: الطاعات، ويقال العلماء يعلمون الناس أمور دينهم، ويدعونهم إلى طريق الآخرة، وعمل صالحاً: يعني عملوا بالعلم، ويقال نزلت الآية: في الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر يعني: يأمرون بالمعروف ويعملون به، ويصبرون على ما أصابهم، قوله: { وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } يعني: أكون على دين الإسلام، لأنه لا تقبل طاعة بغير دين الإسلام فقال عز وجل: { وَلاَ تَسْتَوِى ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيّئَةُ } قال الزجاج: لا زائدة مؤكدة، والمعنى لا تستوي الحسنة والسيئة، يعني: لا تَستَوي الطاعة والمعصية، ولا يستوي الكفر والإيمان، ويقال: لا يستوي البصير والأعمى، ويقال: لا يستوي الصبر والجزع، واحتمال الأذى والإساءة، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يؤذيه أبو جهل لعنة الله عليه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره رؤيته بُغْضاً له، فأمره الله تعالى بالعفو والصفح فقال: { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } يعني: ادفع بالكلمة الحسنة الكلمة القبيحة { فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ } يعني: إذا فعلت ذلك يصير الذي بينك وبينه عداوة بمنزلة القرابة في النسب قوله تعالى: { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } يعني: الكلمة الحسنة، ودفع السيئة ما يعطاها إلا الذين صبروا على طاعة الله، وأداء الفرائض { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ } يعني: ذو نصيب وافر في الآخرة، ويقال { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } يعني: بقول لا إلٰه إلا الله، السيئة: يعني الشرك، وما يلقاها إِلاَّ الذين صبروا: على كظم الغيظ ثم قال: { وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ } يعني: يصيبك { مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ } يعني: وسوسة على الإحتمال { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } من شره، وامض على احتمالك، وقال مقاتل: { وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ } يعني: يفتتنك { مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ } أي فتنة، وقال الكلبي الذنب عند دفع السيئة، ويقال { يَنَزَغَنَّكَ } يعني: يغوينك { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } يعني تعوذ بالله { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } للإستعاذة { ٱلْعَلِيمُ } بقول الكفار وعقوبتهم.