الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } * { فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } * { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ }

قال عز وجل: { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ ٱللَّهِ } يعني: يساق أعداء الله وهم الكفار والمنافقون { إِلَى ٱلنَّارِ } قرأ نافع (وَيَوْمَ نَحْشر) بالنون أعداء بالنصب على معنى الإضافة إلى نفسه، وقرأ الباقون بالياء والضم (يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ) على معنى فعل ما لم يسم فاعله، ويوم صار نصباً لإضمار فيه يعني: واذكر يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إلَى النَّارِ { فَهُم يُوزَعُونَ } يعني: يحبس أولهم ليلحق بهم آخرهم وَأَصله من وزعته أي كففته { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا } يعني: إذا جاؤوها ما صلة في الكلام، يعني جاءوا النار وعاينوها قيل لهمأَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [الأنعام: 22] فقالوا عند ذلك (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) فيختم على أفواههم، وتستنطق جوارحهم فتنطق بما كتمت الألسن، فذلك قوله { شَهِدَ عَلَيْهِم سَمْعُهُم } يعني: آذانهم بما سمعت { وَأَبْصَـٰرُهُم } يعني: أعينهم بما نظرت ورأت { وَجُلُودُهُم } يعني: فروجهم { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يعني: بجميع أعمالهم قوله تعالى: { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ } يعني: لجوارحهم وقال القتبي: الجلود كناية عن الفروج { لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍ } يعني: أنطق الدواب وغيرهم { وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } يعني: أنطقكم في الدنيا { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } في الآخرة، يقول الله تعالى { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ } يعني: ما كنتم تمتنعون، ويقال: ما كنتم تحسبون وتستيقنون { أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَـٰرُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمَّا تَعْمَلُونَ } من الخير والشر { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِى ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ } يعني: ذلك الظن الذي أهلككم، ويقال: (أَرْدَاكُمْ) يعني: أغواكم، ويقال: أهلككم سوء الظن، وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يقول الله تعالى »أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي« " وقال الحسن: إن المؤمن أحسن الظن بربه، فأحسن العمل، وإن المنافق أساء الظن بربه، فأساء العمل { فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ ٱلُخَـٰسِرِينَ } يعني: صرتم من المغبونين { فَإِن يَصْبِرُواْ } على النار { فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } أي: مأوى لهم ويقال هذا جواب لقولهم { ٱصْبِرُواْ عَلَىٰ ءالِهَتِكُمْ } يقول الله تعالى: { فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ } أي: يسترجعوا من الآخرة إلى الدنيا { فَمَا هُم مّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } أي من المرجوعين إلى الدنيا، ويقال: { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ } يعني: وإن يطلبوا العذر { فَمَا هُم مّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } أي لا يسمع ولا يقبل منهم عذر قوله عز وجل: { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء } قال القتبي يعني ألزمناهم قرناء من الشياطين، وقال أهل اللغة: قيض يعني: سلط، ويقال: قيض بمعنى قدر { فَزَيَّنُواْ لَهُم } يعني: زينوا لهم التكذيب بالحساب، وقال الحسن { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ } أي خلينا بينهم وبين الشياطين بما استحقوا من الخذلان فَزَيَّنُوا لَهُمْ { مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } قال الضحاك يعني: شككوهم في أمر الآخرة (وَمَا خَلْفَهُم) يعني: رغبوهم في الدنيا، ويقال زينوا لهم ما بين أيديهم، يعني ما كان عليه آباؤهم من أمر الجاهلية، وما خلفهم يعني: تكذيبهم بالبعث { وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } يعني: وجب عليهم العذاب { فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ } يعني: مع أمم قد خلت من قبل أهل مكة { مِّنَ ٱلْجِنّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَـٰسِرِينَ } بالعقوبة، ويقال: إنَّهُمْ كَانوا خاسِرِين مثلهم.