الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } * { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ }

{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ } أي خوفتكم { صَـٰعِقَةُ } أي عذاباً { مِّثْلَ صَـٰعِقَةِ } أي مثل عذاب { عَادٍ وَثَمُودَ } وقال مقاتل: كان عاد وثمود ابني عم، وموسى وقارون ابني عم، وإلياس واليسع ابني عم، وعيسى ويحيى ابني خالة، ومعنى الآية إن لم يعتبروا فيما وصف لهم من قدرتي وعظمتي في خلق السماوات والأرض، وأعرضوا عن الإيمان، فقل أنذرتكم عذاباً مثل عذاب عاد وثمود أنه يصيبهم مثل ما أصابهم، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله أخبرني الخليل بن أحمد قال حدثنا علي بن المنذر قال حدثنا ابن فضيل عن الأجلح، عن ابن حرملة عن جابر بن عبد الله: أن أبا جهل والملأ من قريش بعثوا عتبة ابن ربيعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه فقال له أنت يا محمد خير أم هاشم، أنت خير أم عبد المطلب، فلم تشتم آلهتنا، وتضلل آباءنا، فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك لواء وكنت رأساً ما بقيت، وإن كنت تريد الباءة زوجناك عشرة نسوة تختارهن من أي حي من بنات قريش شئت، وإن كنت تريد المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك، فلما فرغ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ حـمۤ تَنزِيلٌ مّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } إلى قوله { مّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم أن يكف ثم رجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش واحتبس عنهم، فقال أبو جهل والله يا معشر قريش ما نرى عتبة إلا وقد صبأ، فأتوه فقال أبو جهل والله يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك قد صبوت إلى دين محمد، وأعجبك أمره، فغضب عتبة وأقسم ألا يكلم محمداً أبداً، وقال إني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني بقوله: " والله ليس فيه سحر ولا شعر ولا كهانة " فأمسكت على فيه وناشدته بالرحم أن يكف وقد علمتم أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - إذا قال قولاً لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب ثم قال تعالى: { إِذْ جَاءتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } يعني من قبل عاد وثمود { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } يعني من بعد عاد وثمود { أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ } يعني ألا تطيعوا في التوحيد غير الله، وهذا قول الرسل لقومهم، فأجابهم قومهم { قَالُواْ لَوْ شَاء رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلَـٰئِكَةً } ولم يرسل إلينا آدمياً { فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ } أي جاحدون، وقد قيل في قوله { مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } يعني خوفوهم من بين أيديهم من أمر الآخرة وحذروهم النار، ورغبوهم في الجنة { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } يعني زهدوهم في الدنيا فلم يقبلوا، وقد قيل { مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } يعني ما خلق قبلهم، كيف أهلكهم الله، ومما خلفهم من أمر الآخرة { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلأَرْضِ } يعني تعظموا عن الإيمان، عن قول لا إلٰه إلا الله { بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } يقول الله تعالى { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ } وقواهم { هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } يعني بطشاً ولم يعتبروا بذلك { وَكَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا يَجْحَدُونَ } يعني جاحدين بما آتاهم هود عليه السلام أنه لا ينزل بهم، قوله عز وجل { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } يعني ريحاً بارداً ذا صوت ودوي تحرق كما تحرق النار، ويقال: { رِيحاً صَرْصَراً } أي شديدة الصوت { فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } قال مقاتل: يعني شدائد.

السابقالتالي
2