الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ فَرْعَوْنُ يٰهَامَانُ ٱبْنِ لِي صَرْحاً لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ } * { أَسْبَابَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَـذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ } * { وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ أَهْدِكُـمْ سَبِيـلَ ٱلرَّشَـادِ } * { يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ } * { مَنْ عَمِـلَ سَـيِّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِـلَ صَالِحاً مِّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَيٰقَوْمِ مَا لِيۤ أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِيۤ إِلَى ٱلنَّارِ } * { تَدْعُونَنِي لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِي ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } * { فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } * { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ }

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰهَـٰمَـٰنُ ٱبْنِ لِى صَرْحاً } أي قصراً مشيداً { لَّعَـلِّى أَبْلُغُ ٱلأَسْبَـٰبَ } يعني أصعد طرق السموات { فَأَطَّلِعَ } أي انظر { إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } الذي يزعم أنه أرسله، وقال مقاتل والقتبي { أَسْبَـٰب ٱلسَّمَـٰوَاتِ } أبوابها، قرأ عاصم في رواية حفص (فَأَطَّلِعَ) بنصب العين، والباقون بالضم فمن قرأ بالنصب جعله جواباً للفعل، ومن قرأ بالضم رده إلى قوله أبلغ الأسباب فأطلع { وَإِنّى لأَظُنُّهُ كَـٰذِباً } أي لأحسب موسى كاذباً في قوله، قال الله تعالى { وَكَـذٰلِكَ زُيّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوء عَمَلِهِ } أي قبح عمله { وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } أي الدين والتوحيد، قرأ حمزة والكسائي وعاصم وَصُدَّ بضم الصاد، والباقون بالنصب، فمن قرأ بالضم فمعناه: إن فرعون صرف عن طريق الهدى، يعني إن الشيطان زين له سوء عمله، وصرفه عن طريق الهدى ومن قرأ بالنصب فمعناه صرف فرعون الناس عن الدين { وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِى تَبَابٍ } أي ما صنع فرعون إلا في خسارة يوم القيامة، كقوله:تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ } [المسد: 1] يعني إن فرعون اختار متاعاً قليلاً، وترك الجنة الباقية، فكان عمله في الخسارة { وَقَالَ ٱلَّذِى ءامَنَ } وهو حزبيل { يٰقَوْمِ } { ٱتَّبِعُونِ أَهْدِكُـمْ سَبِيـلَ ٱلرَّشَـادِ } يعني أطيعوني حتى أرشدكم وأبيّن لكم دين الصواب، قوله تعالى: { يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا مَتَاعٌ } أي قليل { وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِىَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ } لا زوال لها { مَنْ عَمِـلَ سَـيّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا } يعني من عمل الشرك فلا يجزى إلا النار في الآخرة { وَمَنْ عَمِـلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } يعني من رجل أو امرأة { فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي: بغير مقدار، وقال بعض الحكماء إن الله تعالى قال { مَنْ عَمِـلَ سَـيّئَةً } ولم يقل من ذكر أو أنثى وقال: { وَمَنْ عَمِـلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } لأن العمل الصالح يَحْسُن من الرجل والمرأة والسيئة من المرأة أقبح من الرجل، فلم يذكر من ذكر أو أنثى { وَيٰقَوْمِ مَا لِى أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ } يعني أن حزبيل قال لقومه: ما لي أدعوكم إلى التوحيد والطاعة وذلك سبب النجاة والمغفرة فلم تطيعوني { وَتَدْعُونَنِى إِلَى ٱلنَّارِ } يعني إلى عمل أهل النار، ثم بيّن عمل أهل النار فقال: { تَدْعُونَنِى لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ } يعني: لأجحد بوحدانية الله { وَأُشْرِكَ بِهِ } أي أشرك بالله، { مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ } يعني ما ليس لي به حجة بأن مع الله شريكاً { وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ } يعني إلى دين العزيز الغفار، العزيز في ملكه، الغفار: لمن تاب { لاَ جَرَمَ } أي حقاً يقال: لا جرم يعني لا بد { أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى ٱلدُّنْيَا } أي ليس له قدرة، ويقال ليس له استجابة دعوة تنفع في الدنيا { وَلاَ فِى ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى ٱللَّهِ } أي مصيرنا ومرجعنا إلى الله يوم القيامة { وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ } يعني المشركين { هُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } يعني هم في النار أبداً { فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُـمْ } يعني ستعرفون إذا نزل بكم العذاب، وتعلمون أن ما أقول لكم من النصيحة أنه حق { وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى ٱللَّهِ } يعني أمر نفسي إلى الله، وأدع تدبيري إليه { إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } يعني عالم بأعمالهم وبثوابهم، فأرادوا قتله فهرب منهم فبعث فرعون في طلبه فلم يقدروا عليه فذلك قوله { فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ } يعني دفع الله عنه شر ما أرادوا { وَحَاقَ بِـئَالِ فِرْعَوْنَ } يعني نزل بهم { سُوءُ ٱلْعَذَابِ } يعني شدة العذاب وهو الغرق { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا } قال ابن عباس يعني تعرض أرواحهم على النار { غُدُوّاً وَعَشِيّاً } هكذا قال قتادة ومجاهد، وقال مقاتل: تعرض روح كل كافر على منازلهم من النار كل يوم مرتين، وقال ابن مسعود

السابقالتالي
2