الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } * { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } * { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } * { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } * { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } * { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ }

قال الله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمْ ءايَـٰتِهِ } يعني: عجائبه ودلائله من خلق السموات والأرض، والشمس والقمر، والليل والنهار، وذلك أنه لما ذكر ما يصيبهم يوم القيامة، عظم نفسه تعالى، ثم ذكر لأهل مكة من الدلائل ليؤمنوا به فقال هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ { وَيُنَزّلُ لَكُم مّنَ ٱلسَّمَاء رِزْقاً } يعني المطر، ويقال الملائكة لتدبير الرزق { وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } يعني ما يتعظ بالقرآن إلا من يقبل إليه بالطاعة، ويقال وما يتذكر في هذا الصنيع فيوحد الرب إلا من يرجع إليه { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } يعني اعبدوه بالإخلاص { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } يعني وإن شق ذلك على المشركين الكافرين { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَـٰتِ } يعني رافع وخالق السماوات، أي مطبقاً بعضها فوق بعض، ويقال: هو رافع الدرجات في الدنيا بالمنازل وفي الآخرة الجنة ذو الدرجات { ذُو ٱلْعَرْشِ } يعني رافع العرش، ويقال: خالق العرش، هو رب العرش { يُلْقِى ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ } يعني ينزل جبريل بالوحي { عَلَىٰ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - { لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } يعني ليخوف بالقرآن، وقرأ الحسن لتنذر بالتاء على معنى المخاطبة، يعني لتنذر يا محمد، وقراءة العامة بالياء، يعني لينذر الله، ويقال: لينذر من أنزل عليه الوحي، يوم التلاق، قرأ ابن كثير يَوْمَ التَّلاَقِي بالياء، وهي إحدى الروايتين عن نافع، والباقون بغير ياء، فمن قرأ بالياء فهو الأصل، ومن قرأ بغير ياء فلأن الكسر يدل عليه، وقال في رواية الكلبي يَوْمَ التَّلاَقِ يوم يلتقي أهل السماوات، وأهل الأرض، ويقال يوم يلتقي الخصم والمخصوم { يَوْمَ هُم بَـٰرِزُونَ } أي ظاهرين خارجين من قبورهم { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَىْء } يعني من أعمال أهل السماوات وأهل الأرض { لّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } قال بعضهم: هذا بين النفختين يقول الرب تبارك وتعالى لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْم؟ فلا يجيبه أحد، فيقول لنفسه { للَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } قال بعضهم إن ذلك لأهل الجمع يوم القيامة، يقول لمن الملك اليوم، فأقر الخلائق كلهم وقالوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ يقول الله تعالى { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ } يعني بما عملت في الدنيا من خير أو شر { لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } وقد ذكرناه { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ } يعني خوفهم بيوم القيامة، فسمي الأزفة لقربه، ويقال أزف شخوص فلان يعني قرب، كما قال أَزِفَتِ الآزفة ثم قال { إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ } من الخوف لا تخرج، ولا تعود إلى مكانها { كَـٰظِمِينَ } أي مغمومين، يتردد خوفهم في أجوافهم { مَا لِلظَّـٰلِمِينَ } يعني المشركين { مِنْ حَمِيمٍ } أي قريب { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } أي له الشفاعة فيهم { يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلأَعْيُنِ } هذا موصول بقوله { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَىْء } وهو يعلم خائنة الأعين، وقال أهل اللغة: الخائنة والخيانة واحدة، كقوله:وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ } [المائدة: 13] وقال مجاهد: خائنة الأعين يعني نظر العين إلى ما نهى الله عنه، وقال مقاتل الغمزة فيما لا يحل له والنظرة إلى المعصية، ويقال النظرة بعد النظرة، وقال قتادة يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ يعني يعلم غمزه بعينه، وإغماضه فيما لا يحب الله تعالى { وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ }.