الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } * { دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

ثم قال تعالى: { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني القاعدين عن الجهاد لا يكون حالهم مثل حال الذين يجاهدون في الثواب والأجر { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } أي القاعدين الذين لا عذر لهم، ومن كان له عذر، فهو خارج من هذا، قال ابن عباس: يعني، ابن أم مكتوم، ومحمد بن جحش، ويقال: عبد الله بن جحش فقال: إنا عميان فهل لنا من رخصة فنزلت { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } حدثنا أبو الفضل بن أبي حفص، قال: حدثنا أبو جعفر الطحاوي، قال: حدثنا إبراهيم بن داود، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأوسي قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد الساعدي قال: رأيت مروان بن الحكم جالساً في المسجد، فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أملى عليه { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَـٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } ، { وَٱلْمُجَـٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها علي فقال: يا رسول الله: لو استطيع الجهاد لجاهدت، وكان رجلاً أعمى، فأنزل الله تعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفخذه على فخذي فثقلت علي حتى خفت أن يرض فخذي ثم سري عنه [أي زال عنه التغير] فأنزل الله تعالى: { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } يعني، إلا أن يكون أولي الضرر. قرأ نافع والكسائي، وابن عامر: (غير أولي الضرر) بنصب الراء. وقرأ حمزة وعاصم، وابن كثير، وأبو عمرو: (غير أولي الضرر) بالضم. وقرأ بعضهم: { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } بالكسر، فمن قرأ بالضم جعله نعتاً للقاعدين، أي يعني لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر، ومن قرأ بالنصب فهو على معنى الاستثناء، ويقال: هو نصب على الحال، ومن قرأ بالكسر، فلحرف الكسر وهو من قوله تعالى: { وَٱلْمُجَـٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ، فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَـٰعِدِينَ } أي بغير عذر { دَرَجَةً } أي فضيلة في الآخرة { وَكُلاًّ } يعني المجاهدين والقاعدين، والمعذورين { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي وعد الله لهم الثواب وهو الجنة، ثم قال تعالى: { وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَـٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } أي بغير عذر ثم بين الأجر فقال: { دَرَجَـٰتٍ مّنْهُ وَمَغْفِرَةً } أي فضائل من الله في الجنة أي سبعين درجة. روى هشام بن حسان عن جبلة بن عطية، عن ابن محيريز قال: ما بين الدرجتين، حضر الفرس أو الجواد سبعين عاماً. ثم قال تعالى: { وَمَغْفِرَةٌ } يعني مغفرة لذنوبهم، { وَرَحْمَةً } نعمة في الجنة { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } لمن جاهد { رَّحِيماً } إذ سوى بين من له عذر بالفضل مع غيره.