{ فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ } نزلت في تسعة نفر ارتدوا عن الإسلام، فخرجوا من المدينة، وانطلقوا إلى مكة، ثم إنهم خرجوا تجاراً إلى الشام، فقال بعض المسلمين: نخرج إلى هؤلاء ونقتلهم ونأخذ أموالهم، وقال بعضهم: هم مسلمون فلا يجوز أخذ أموالهم، ويقال: كان قوم من المنافقين بمكة، خرجوا إلى الشام، فاختلف المسلمون في أمرهم، فبين الله تعالى للمسلمين نفاقهم فقال تعالى: { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَـٰفِقِينَ } يعني، صرتم في المنافقين فئتين، أي فريقين تختصمون في أمرهم { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ } أي أذلهم ويقال: أهلكهم، ويقال: أركسهم أي ردهم إلى كفرهم، ويقال: ركست الشيء وأركسته إذا أرددته إلى الحال الأول. ثم قال تعالى: { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } [يعني أترشدون إلى الهدى من أضله الله] { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } عن الهدى { فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } يعني، ديناً، ويقال: مخرجاً. ثم قال تعالى: { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } أي ترجعون عن هجرتكم { كَمَا كَفَرُواْ } أي كما رجعوا { فَتَكُونُونَ } أنتم وهم على الكفر { سَوَآءً } ومن هذا يقال في المثل: إن من أحرق يوماً كدسه، يتمنى حرق أكداس الأمم، فكذلك الكفار، كانوا يتمنون أن يكون الناس كلهم كفاراً، حتى يحترقوا معهم. قال الله تعالى: { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ } في الدين والنصرة { حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } حتى يتوبوا، ويرجعوا إلى دار الهجرة بالمدينة { فَإِن تَوَلَّوْاْ } يعني أبوا الهجرة { فَخُذُوهُمْ } يعني فأسروهم { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } يعني أين وجدتموهم من الأرض. { وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } في العون. ثم استثنى الذين كان بينهم وبين المسلمين عهد فقال: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَـٰقٌ } وهم خزاعة، وبنو مدلج، وبنو خزيمة، وهلال بن عويمر الأسلمي وأصحابه، صالحهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن كل من أتاهم من المسلمين، فهو آمن ومن جاء منهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو آمن، وفي هذه الآية إثبات الموادعة بين أهل الحرب وأهل الإسلام إذا كانت في الموادعة مصلحة للمسلمين. ثم قال تعالى: { أَوْ جَاءوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } أي ضاقت قلوبهم { أَن يُقَـٰتِلُوكُمْ } من قبل العهد { أَوْ يُقَـٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ } معكم من قبل القرابة. ثم قال تعالى: { وَلَوْ شَاءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَـٰتَلُوكُمْ } ذكر منته على المؤمنين أنه يدفع عنهم البلاء، ومنعهم عن قتالهم، ثم قال تعالى: { فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ } في القتال { فَلَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ، وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } أي الصلح، معناه أنهم لو ثبتوا على صلحهم، فلا تقاتلوهم، فذلك قوله: { فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } أي حجة وسلطاناً في قتالهم، ثم قال عز وجل: { سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ } وهم أسد وغطفان، كانوا إذا أتوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون: آمنا بك، وإذا رجعوا إلى قومهم قالوا: آمنا بالعقرب والخنفساء، يقول: إنهم لم يريدوا بذلك تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما أرادوا به الاستهزاء.