الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } * { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }

قوله تعالى: { لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلأَقْرَبُونَ } وذلك أن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون النساء، وإنما يورثون الرجال من كان يقاتل ويحوز الغنيمة، حتى مات أوس بن ثابت الأنصاري، وترك ثلاث بنات، وترك امرأة يقال لها أم كجة، فقام ابن عمه وأخذ ماله فجاءت المرأة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وذكرت له القصة. ويقال: مات رفاعة وترك ابنه وابنته، فأخذ الابن ميراثه كله فجاءت امرأته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بذلك فنزل قوله: { لّلرّجَالِ نَصِيبٌ } أي: حظ { مّمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلأَقْرَبُونَ } { وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ } أي حظ { مّمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ } يعني ان قل المال { أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } أي حظاً معلوماً لكل واحد من الميراث، فبيّن في هذه الآية: أن للرجال نصيباً، وللنساء نصيباً، ولكن لم يبين مقدار نصيب كل واحد منهم، ثم بين في الآية التي بعدها فقال: { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينُ } قال مقاتل: فيها تقديم وتأخير، ومعناه: إذا حضر أولوا القربى، قسمة الميراث، { فَٱرْزُقُوهُمْ مّنْهُ } يعني فأعطوهم من الميراث قال مقاتل وهذا كان قبل قسمة الميراث ثم قال تعالى: { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } يعني إذا كان الورثة كباراً يعطون من الميراث لذوي القربى، وإن كانت الورثة صغاراً، ليقل لهم الأولياء قولاً معروفاً أي عدوا لهم عدة حسنة، يقول لهم، إذا أدرك الصغار أمرناهم يعطوكم شيئاً ويعرفون حقكم. وقال القتبي: { إِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ } فيه قولان: أحدهما: أن تكون قسمة الوصية إذا حضرها أقرباؤكم فاجعلوا لهم حظاً من الثلث، ووجه آخر أن يكون قسمة الميراث فارضخوا لهم منها ثم قال: { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ } يقول: وليخش على أولاد الميت الضياع، كما أنكم لو تركتم أولاداً { ذُرّيَّةً ضِعَـٰفاً } يقول: عجزة صغار، يعني الذي يحضره الموت لا يقال له: قدم لنفسك وأوص بكذا وكذا، حتى يوصي بعامة ماله، فليخش على ذرية الميت كما يخشى على ذرية نفسه. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا حضر الرجل الوصية، فلا ينبغي أن يقول له أوص بمالك، فإن الله تعالى رازق أولادك، ولكن يقول له: قدم لنفسك، واترك لولدك، فذلك قوله تعالى: { خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } يعني يقول للميت قولاً عدلاً: وهو أن يلقنه: لا إله إلا الله، ولا يأمره بذلك، ولكن يقول ذلك في نفسه حتى يسمعه منه ويتلقن، وهكذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله " ولم يقل مروهم بذلك [لأنه لو أمر بذلك] فلعله يغضب ويجحد.

السابقالتالي
2