الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } * { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } * { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }

قوله تعالى: { مَّا أَصَـٰبَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } يعني النعمة، وهو الفتح والغنيمة { فَمِنَ ٱللَّهِ } أي وبفضله { وَمَا أَصَـٰبَكَ مِن سَيّئَةٍ } يعني البلاء والشدة، من العدو [أو الشدة في العيش] { فَمِن نَّفْسِكَ } أي فبذنبك وأنا قضيته عليك. ويقال: ما أصابك من حسنة يوم بدر، فمن الله، وما أصابك من سيئة يوم أحد، فمن نفسك، أي، بذنب أصحابك، يعني بتركهم المركز. ويقال: ما أصابك من حسنة، يعني، الدلائل والعلامات لنبوتك، فمن الله وما أصابك من سيئة (يعني انقطاع الوحي فمن نفسك، يعني بترك الاستثناء، حيث انقطع عنك جبريل أياماً، بترك استثنائك به. ويقال: ما أصابك من حسنة، يعني، تكثير الأمة، فمن الله وما أصابك من سيئة) من أذى الكفار، فبتعجيلك، فقوله تعالى:لَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ } [الشعراء: 3] ويقال: فيه تقديم وتأخير، ومعناه { فَمَا لِهَـؤُلاء ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } بقولهم { مَّا أَصَـٰبَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَا أَصَـٰبَكَ مِن سَيّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } قل كل من عند الله. ثم قال تعالى: { وَأَرْسَلْنَـٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً } أي، ليس عليك سوى تبليغ الرسالة. { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } على مقالتهم وفعلهم. ثم قال تعالى: { وَمَن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } يعني من يطع الرسول فيما أمره، فقد أطاع الله، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كان يدعوهم بأمر الله تعالى، وفي طاعة الله تعالى، ويقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم -) قال: " من يحبني فقد أحب الله، ومن أطاعني فقد أطاع الله " ، فقال المنافقون: إن هذا الرجل يريد أن نتخذه حناناً، فأنزل الله تعالى تصديقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [آل عمران: 31] وقال: { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ }. ثم قال تعالى: { وَمَن تَوَلَّىٰ } أي أعرض عن طاعة الله، وطاعة رسوله { فَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } أي رقيباً وكان ذلك قبل الأمر بالقتال. ثم أخبر عن أمر المنافقين فقال: { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ } أي يقولون بحضرتك: قولك طاعة، وأمرك معروف، فمرنا بما شئت، فنحن، لأمرك نتبه، { فَإِذَا بَرَزُواْ } أي خرجوا { مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ } أي: ألغت ويقال: غيرت { طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ } وقال الزجاج: لكل أمر قضي بليل قد بيت. قرأ أبو عمرو، وحمزة: (بيت طائفة) بالإدغام لقرب مخرج التاء من الطاء، وقرأ الباقون: بالإظهار، لأنهما كلمتان. ثم قال تعالى: { وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيّتُونَ } يعني يحفظ عليهم ما يغيرون وقال الزجاج: { وَٱللَّهُ يَكْتُبُ } له وجهان: يجوز أن يكون ينزله إليك في كتابه، وجائز أن يكون يحفظ ما جاءوا به. ثم قال تعالى: { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي اتركهم { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } أي شهيداً. ويقال: { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي ثق بالله، وكفى بالله وكيلاً أي شهيداً أو يقال وتوكل على الله ثقة لك، ثم نسخ بقوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَـٰهِدِ ٱلْكُفَّـٰرَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } [التوبة: 73].