الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً }

ثم قال عز وجل: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ: كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ } يعني ألم تخبر عنهم، ويقال: إن معناه، ألا ترى إلى هؤلاء، وذلك أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين كانوا بمكة، استأذنوا في قتل كفار مكة سراً، لما كانوا يلقون منهم من الأذى، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: مهلاً كفوا أيديكم عن قتالهم { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } فإني لم أؤمر بقتالهم، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة أمره الله تعالى بالقتال، فكره بعضهم، فنزلت هذه الآية { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ } عن القتل، { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } ، أي أتموها { وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } يعني أقروا بها وأعطوها إذا وجبت عليكم، { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ } أي فرض عليهم القتال بالمدينة { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ } أي يخشون عذاب الكفار { كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ } أي كخشيتهم من عذاب الله { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } أي بل أشد خشية، ويقال: معناه، أو أشد خشية يعني أكثر خوفاً { وَقَالُواْ: رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ } أي لم فرضت علينا القتال، { لَوْلا أَخَّرْتَنَا } أي يقولوا هلا أجلتنا { إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } ، وهو الموت. فبين الله تعالى لهم: أن الدنيا فانية فقال { قُلْ مَتَـٰعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ } أي: منفعة الدنيا قليلة، لأنها لا تدوم، وقال - عليه الصلاة والسلام - " مثلي ومثل الدنيا، كراكب قال في ظل شجرة، ثم راح وتركها " ثم قال تعالى: { وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لّمَنِ ٱتَّقَىٰ } يقول: ثواب الآخرة أفضل لمن اتقى الشرك والمعاصي { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } وقد ذكرناه. قرأ نافع وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: (ولا تظلمون) بالتاء على معنى المخاطبة، وقرأ الباقون: بالياء على معنى الخبر، يعني المتقين. قوله تعالى: { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ } أي في الأرض يأتيكم الموت { وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } ، أي في القصور الطوال المشيدة، المبنية إلى السماء، حتى لا يخلص إليه [أحد من بني آدم]. وقال القتبي (البروج) الحصون، و (المشيدة): المطولة. وذلك أنهم لما تثاقلوا عن الخروج إلى الجهاد مخافة الموت، فأخبرهم الله تعالى: إنهم لا يموتون قبل الأجل، إذا جاء أجلهم لا ينجون من الموت وإن كانوا في موضع حصين، وهذا قوله تعالى:فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } [آل عمران: 168]. ثم أخبر عن المنافقين فقال: { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ } أي الفتح والغنيمة، والخصب، يقولوا: { هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ، وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ } أي نكبة وهزيمة، { يَقُولُواْ: هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } أي من شؤمك، يعني أصابتنا بسببك، أنت الذي حملتنا على هذا { قُلْ: كُلٌّ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } يقال: الرخاء والشدة، ويقال: القدر خيره وشره من الله تعالى. ثم قال تعالى: { فَمَا لِهَـؤُلاء ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ } يعني المنافقين لا يكادون يفقهون { حَدِيثاً } أي لا يفهمون قولاً أن الشدة والرخاء من الله تعالى أي لا يسمعون، ولا يفهمون، ما يحدثهم ربهم في القرآن.