ثم قال عز وجل: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ: كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ } يعني ألم تخبر عنهم، ويقال: إن معناه، ألا ترى إلى هؤلاء، وذلك أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين كانوا بمكة، استأذنوا في قتل كفار مكة سراً، لما كانوا يلقون منهم من الأذى، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: مهلاً كفوا أيديكم عن قتالهم { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } فإني لم أؤمر بقتالهم، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة أمره الله تعالى بالقتال، فكره بعضهم، فنزلت هذه الآية { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ } عن القتل، { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } ، أي أتموها { وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } يعني أقروا بها وأعطوها إذا وجبت عليكم، { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ } أي فرض عليهم القتال بالمدينة { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ } أي يخشون عذاب الكفار { كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ } أي كخشيتهم من عذاب الله { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } أي بل أشد خشية، ويقال: معناه، أو أشد خشية يعني أكثر خوفاً { وَقَالُواْ: رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ } أي لم فرضت علينا القتال، { لَوْلا أَخَّرْتَنَا } أي يقولوا هلا أجلتنا { إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } ، وهو الموت. فبين الله تعالى لهم: أن الدنيا فانية فقال { قُلْ مَتَـٰعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ } أي: منفعة الدنيا قليلة، لأنها لا تدوم، وقال - عليه الصلاة والسلام - " مثلي ومثل الدنيا، كراكب قال في ظل شجرة، ثم راح وتركها " ثم قال تعالى: { وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لّمَنِ ٱتَّقَىٰ } يقول: ثواب الآخرة أفضل لمن اتقى الشرك والمعاصي { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } وقد ذكرناه. قرأ نافع وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: (ولا تظلمون) بالتاء على معنى المخاطبة، وقرأ الباقون: بالياء على معنى الخبر، يعني المتقين. قوله تعالى: { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ } أي في الأرض يأتيكم الموت { وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } ، أي في القصور الطوال المشيدة، المبنية إلى السماء، حتى لا يخلص إليه [أحد من بني آدم]. وقال القتبي (البروج) الحصون، و (المشيدة): المطولة. وذلك أنهم لما تثاقلوا عن الخروج إلى الجهاد مخافة الموت، فأخبرهم الله تعالى: إنهم لا يموتون قبل الأجل، إذا جاء أجلهم لا ينجون من الموت وإن كانوا في موضع حصين، وهذا قوله تعالى:{ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } [آل عمران: 168]. ثم أخبر عن المنافقين فقال: { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ } أي الفتح والغنيمة، والخصب، يقولوا: { هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ، وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ } أي نكبة وهزيمة، { يَقُولُواْ: هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } أي من شؤمك، يعني أصابتنا بسببك، أنت الذي حملتنا على هذا { قُلْ: كُلٌّ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } يقال: الرخاء والشدة، ويقال: القدر خيره وشره من الله تعالى. ثم قال تعالى: { فَمَا لِهَـؤُلاء ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ } يعني المنافقين لا يكادون يفقهون { حَدِيثاً } أي لا يفهمون قولاً أن الشدة والرخاء من الله تعالى أي لا يسمعون، ولا يفهمون، ما يحدثهم ربهم في القرآن.