الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } * { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } * { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } * { وَإِذاً لأَتَيْنَٰهُم مِّن لَّدُنَّـآ أَجْراً عَظِيماً } * { وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }

وقوله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ } ومن، صله، فكأنه يقول: وما أرسلنا رسولاً { إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي لكي يطاع بأمر الله. ثم قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } بصنعهم { جَاءُوكَ } بالتوبة { فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ } لذنوبهم { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } أي متجاوزاً. قوله تعالى: { فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } كقول القائل: لا والله لا يؤمنون { حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ } حتى يقروا ويرضوا بحكمك يا محمد { فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } أي فيما اختلفوا فيه، ويقال: تشاجرا: أي اختلفا، ويقال: فيما التبس عليهم، قال الفقيه: حدثنا الخليل بن أحمد، قال: حدثنا الديبلي، قال: حدثنا أبو عبيد الله، عن سفيان، عن عمر، وعن رجل من ولد أم سلمة عن أم سلمة أنها قالت: كان بين الزبير بن العوام وبين رجل خصومة فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير، فقال الرجل: إنما قضى له لأنه ابن عمته، فأنزل الله تعالى: { فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ } أي في قلوبهم { حَرَجاً } أي شكاً { مِّمَّا قَضَيْتَ } أنه الحق { وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً } أي ويخضعوا لأمرك في القضاء خضوعاً. وقال الزجاج: تسليماً، مصدر مؤكد، فإذا قلت: ضربه ضرباً، فكأنك قلت: لا شك فيه كذلك: { وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً } أي ويسلمون لحكمك تسليماً لا يدخلون على أنفسهم شكاً. قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ: أَنِ ٱقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } يعني لو فرضنا عليهم القتل، { أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَـٰرِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ } والقليل منهم، عمار بن ياسر، وابن مسعود، وثابت بن قيس، قالوا: لو أن الله تعالى أمرنا بأن نقتل أنفسنا، أو نخرج من ديارنا لفعلنا. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الإيمان أثبت في قلوب الرجال من الجبال الرواسي " قرأ ابن عامر: (إلا قليلاً منهم) بالألف، وهكذا في مصاحف أهل الشام، وقرأ الباقون: [بغير الألف]، بالضم، فمن قرأ بالضم، فمعناه، ما فعلوه ويفعله قليل منهم، على معنى الاستئناف، ومن قرأ بالنصب على معنى أنه على خلاف الأول، للاستثناء، كقوله تعالى:إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } [النساء: 98]. ثم قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ } أي ما يؤمرون به، { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } [أي الثواب في الآخرة] { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } أي تحقيقاً في الدنيا. قوله تعالى: { وَإِذاً لأَتَيْنَـٰهُمْ } يقول: حينئذ لأعطيناهم { مّن لَّدُنَّـا } أي من عندنا { أَجْراً عَظِيماً } في الآخرة، يعني الجنة. { وَلَهَدَيْنَـٰهُمْ صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } أي ديناً قيماً يرضاه لهم.