الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا } وذلك أن مفتاح الكعبة كان في يد بني شيبة، وكانت السقاية في يد بني هاشم، فلما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة، دعا عثمان بن طلحة، وقال له: هات المفتاح فخشي عثمان أن يعطيه إلى عمه العباس، فجاء بالمفتاح وقال لرسول الله [- صلى الله عليه وسلم - حين دفع إليه]، خذه بأمانة الله، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت، فإذا فيه تمثال إبراهيم - عليه السلام - مصور على الحائط وبيده قداح، وعنده إسماعيل والكبش مصوران فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " قاتل الله الكفار ما لإبراهيم والقداح " ، فأمر بالصور فمحيت، فقضى حاجته من البيت ثم خرج، فطلب منه العباس بأن يدفع إليه المفتاح فنزلت هذه الآية: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا } ثم صارت الآية عامة لجميع الناس، برد الأمانات إلى أهلها، ويقال: نزلت في شأن اليهود حيث كتموا نعت محمد - صلى الله عليه وسلم - وكانت أمانة عندهم فمنعوها. ويقال: هذا أمر لجميع المسلمين: بأداء الفرائض، وجميع الطاعات لأنها أمانة عندهم، كقوله تعالى: { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ... } إِلَى قَوْلُهُ: { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَـٰنُ } ثم قال تعالى: { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ } يقول: بالحق. وقال الضحاك: { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } أي بين القوم { أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ } أي بالبينة على المدعي واليمين على المدعى عليه. { إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } يعني يأمركم بالعدل والنصيحة، والاستقامة، وأداء الأمانة { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً } بمقالة العباس، { بَصِيراً } برد المفتاح إلى أهله. قرأ ابن عامر والكسائي وحمزة: (نعما) بنصب النون، وكسر العين، والاختلاف فيه كالاختلاف الذي في سورة البقرة، وذلك قوله تعالى: { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَـٰتِ فَنِعِمَّا هِيَ } وقوله تعالى: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ } أي في الفرائض { وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } أي في السنن، ويقال: أطيعوا الله فيما فرض، وأطيعوا الرسول فيما بين، ويقال: { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ } يقول: لا إله إلا الله، وأطيعوا الرسول، يقول: محمد رسول الله. { وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ }. يعني أطيعوا أولي الأمر منكم. قال الكلبي ومقاتل: يعني أمراء السرايا. وقال الضحاك: يعني الفقهاء والعلماء في الدين. ويقال: الخلفاء والأمراء، ويجب طاعتهم ما لم يأمروا بالمعصية قوله: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ } من الحلال والحرام والشرائع، { فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ } يعني إلى أمر الله فيما يأمر بالوحي، وإلى أمر الرسول فيما يخبر عن الوحي، ثم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لما انقطع الوحي يرد إلى كتاب الله تعالى، وإلى سنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - ويقال [معناه] إذا أشكل عليكم شيء فقولوا الله ورسوله أعلم وهذا كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.

السابقالتالي
2