الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً }

فقال تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَـٰتِنَا } يعني بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن { سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً } أي ندخلهم ناراً في الآخرة. ويقال: صلى: إذا دخل النار لأجل شيء، وأصلاه: إذا أدخله للإحتراق والاصطلاء بالنار: الاستدفاء. ثم قال تعالى: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } يقول: كلما احترقت جلودهم { بَدَّلْنَـٰهُمْ } يعني جددنا لهم { جُلُوداً غَيْرَهَا } لأنهم إذا احترقوا خبت عنهم النار ساعة فبدلوا خلقاً جديداً، ثم عادت تحرقهم، فهذا دأبهم فيها، وقال مقاتل: تجدد في كل يوم سبع مرات، وقال الحسن: بلغني أنه ينضج كل يوم سبعين ألف مرة، وقال الضحاك: سبعين جلداً في كل يوم. وقد طعنت الزنادقة في هذا وقالوا: إن الجلد الذي تبدل لم يذنب فكيف يستحق العقوبة والعذاب. وقيل لهم: إن ذلك الجلد هو الجلد الأول، ولكنه إذا أحرق أعيد إلى الحال الأول، كالنفس إذا صارت تراباً، وصارت لا شيء، ثم أحياها الله تعالى، فكذلك ها هنا. وقوله تعالى: { جُلُوداً غَيْرَهَا } على وجه المجاز، كما قال في آية أخرى:يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } [سورة إبراهيم: 48] قال ابن عباس - رضي الله عنه - يعني يزاد في سعتها، وتسوى جبالها وأوديتها. وقوله: ثم قال تعالى { لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } أي لكي يجدوا مس العذاب { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً } في نقمته { حَكِيماً } في أمره، حكم لهم بالنار. ثم بين مصير الذين صدقوا به فقال عز وجل: { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } يعني آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَات } يعني الطاعات التي أمرهم الله بها { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ } أي مقيمين فيها { أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } في الخلق والخلق { وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً }. قال الضحاك: يعني، ظلال أشجار الجنة، وظلال قصورها وقال الكلبي: يعني ظلاً ظليلاً أي دائماً. وقال مقاتل: يعني أكنان القصور، (ظليلاً) يعني لا خلل فيها.