الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } * { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } * { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } * { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } يقول: يبرئون أنفسهم من الذنوب { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكّى مَن يَشَاء } وذلك، لأن رؤساء اليهود كانوا يقولون: هل على أولادنا من ذنب، فما نحن إلا كهيئتهم فهذا الذي زكوا به أنفسهم، قال الله تعالى: { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكّى مَن يَشَاء } أي يصلح ويبريء من يشاء من الذنوب. ويقال: يكرم من يشاء بالإسلام { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }. قال الكلبي ومقاتل: الفتيل الذي يكون في شق النواة، وهو الأبيض ويقال: هو ما فتلته بين أصبعيك من الوسخ، فإذا مسحت إحداهما بالأخرى، يعني لا ينقصون من ثواب أعمالهم بذلك المقدار، ثم قال تعالى: { انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ } أي يختلقون على الله الكذب { وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } أي ذنباً مبيناً. روى مقاتل عن الضحاك قال: الفتيل، والنقير، والقطمير، كلها في النواة. ثم قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } يعني أعطوا حظاً من علم التوراة، { يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ } الجبت: حيي بن أخطب، والطاغوت: كعب بن الأشرف. وقال القتبي: كل معبود من حجر، أو صورة، أو شيطان، فهو جبت وطاغوت، قال: ويقال: الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان، ويقال: في هذه السورة رجلان من اليهود، وإيمانهم بهما تصديقاً لهما، وطاعتهم إياهما. ثم قال تعالى: { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني لمشركي مكة { هَـؤُلاء أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ سَبِيلاً } وذلك أن رؤساء اليهود قدموا مكة بعد قتال أُحد، ونقضوا العهد، وبايعوا المشركين، وقالوا: أنتم أهدى سبيلاً من المسلمين. حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا الديبلي، قال: حدثنا أبو عبيد الله قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة، قال: جاء كعب بن الأشرف، وفي رواية أخرى عن عكرمة عن ابن عباس، قال: جاء كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب إلى مكة، فأتيا قريشاً، فقالت لهما قريش: أنتم أهل الكتاب، وأهل العلم، فأخبرونا عنا وعن محمد، ديننا القديم، ودين محمد الحديث، ونحن نصل الرحم ونسقي الحجيج، ونفك العناة، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - صنبور، قطع أرحامنا، واتبعه سراق الحجيج، بنو غفار، فنحن أهدى أم هو؟ قالا: بل أنتم أهدى سبيلاً منهم، فأنزل الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ.... } الآية إلى قوله: { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـؤُلاء أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ سَبِيلاً }. يعني أهدى ديناً من المهاجرين والأنصار. قوله تعالى: { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي خذلهم وطردهم الله من رحمته، ويقال: عذبهم الله بالجزية. { وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ، فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } أي مانعاً. قوله تعالى: { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ } يقول: لو كان لهم، يعني لليهود حظ من الملك { فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } أي لا يعطون أحداً من بخلهم وحسدهم نقيراً، والنقير: النقطة التي على ظهر النواة { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ } أي أيحسدون الناس.

السابقالتالي
2