الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } * { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ }

ثم قال { وَءاتُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ أَمْوٰلَهُمْ } يقول للأولياء: (آتوا) اليتامى أموالهم التي عندكم إذا بلغوا النكاح، يعني الحلم. { وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ } يعني الحرام { بِٱلطَّيّبِ } يعني بالحلال من أموالكم، يقول: لا تذروا أموالكم الحلال، وتأكلوا الحرام من أموال اليتامى ويقال: لا تخلطوا الخبيث بالطيب، ويقال: لا تخلطوا من مالكم الرديء، وتأخذوا الجيد من مال اليتيم، يعني أن يرسل شاة عجفاء في غنمه، ويأخذ مكانها شاة سمينة، وفي الحبوب كذلك. ويقال: لا تجعلوا أموالهم وقاية لأموالكم. ثم قال تعالى { وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَهُمْ إِلَىٰ أَمْوٰلِكُمْ } يعني مع أموالكم { إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } يعني إثماً عظيماً. قرأ الحسن «حوبا» بنصب الحاء، قال مقاتل: هو بلغة الحبش، قال القتبي: الحُوب والحَوْب واحد، وهو الإثم. وقال مقاتل: نزلت في رجل من غطفان، كان معه مال كثير لابن أخيه فلما بلغ اليتيم، طلب ماله، فمنعه العم، فنزلت الآية. فقرأها عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال الرجل: أطعنا الله ورسوله، ونعوذ بالله من الحوب الكبير، فدفع إليه ماله، فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لقد أصاب الأجر، وبقي الوزر " ، فقالوا كيف بقي الوزر، وقد أنفقه في سبيل الله، فقال: " أصاب الغلام الأجر وبقي الوزر على والده " قوله تعالى: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَـٰمَىٰ } يعني ألا تعدلوا في أموال اليتامى، يقال في اللغة: أقسط الرجل: إذا عدل، وقسط: إذا جار. وقال - صلى الله عليه وسلم -: " المقسطون في الدنيا على منابر من نور يوم القيامة " يعني العادلون قال الله تعالى:وَأَمَّا ٱلْقَـٰسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [الجن: 15] يعني الجائرون [ثم قال تعالى] { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ... } وذلك أنهم كانوا يسألون عن أمر اليتامى ويخافون ألا يعدلوا، وكانوا يتزوجون من النساء ما شاءوا فنزلت هذه الآية { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَـٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ } { مّنَ ٱلنّسَاء مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَاعَ } يعني فكما خفتم ألا تعدلوا في اليتامى، فخافوا في النساء إذا اجتمعن عندكم ألا تعدلوا بينهن. وروى عروة عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: كان الناس يتزوجون اليتامى ولا يعدلون بينهن، ولم يكن لهم أحد يخاصم عنهن، فنهى الله المؤمنين عن ذلك، فقال: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَـٰمَىٰ } الآية. ويقال: إنهم كانوا يتزوجون امرأة لها أولاد أيتام، وكانوا لا يحسنون النظر إليهم، فنزل { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَـٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ } يعني بغير ولد، مثنى وثلاث ورباع، ثم قال تعالى: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } في القسم والنفقة { فَوٰحِدَةً } يقول: تزوجوا امرأة واحدة، وإن خفتم ألا تعدلوا في الواحدة { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } يعني الإماء.

السابقالتالي
2