ثم قال عز وجل: { يَـا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مّن رَّبِّكُمْ } أي بياناً من ربكم وحجة من ربكم، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً } أي بياناً من العمى، وبيان الحلال من الحرام وهو القرآن. قوله تعالى: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ } أي صدقوا بوحدانية الله تعالى { وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ } أي تمسكوا بدينه { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ } يعني الجنة { وَفَضْلٍ } أي الثواب { وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ } أي يرشدهم إلى دينه ويوفقهم لذلك، وفي الآية تقديم وتأخير، فكأنه يقول: يهديهم في الدنيا { صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } أي ديناً لا عوج فيه ويثيبهم على ذلك، ويدخلهم في الآخرة في رحمة منه وفضل، وهو الجنة والكرامة. قوله تعالى: { يَسْتَفْتُونَكَ } يعني يسألونك في حكم الميراث { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلَـٰلَةِ } روي عن قتادة أنه قال: الكلالة من لا ولد له ولا والد، وكذلك قال ابن عباس وروي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال: إني قد رأيت رأياً فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن خطأ فمن نفسي ومن الشيطان: الكلالة: ما عدا الوالد والولد. وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: ثلاث لا يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهن لنا، كان أحب إلي من الدنيا وما فيها: الكلالة، والخلافة وأبواب الربا. " وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الكلالة فقال: " ألم تر الآية التي أنزلت في النساء: { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلَـٰلَةِ إِن ٱمْرُؤٌاْ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ } " يعني هذا تفسير الكلالة وهذه الآية نزلت في شأن جابر بن عبد الله، سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال إن لي أختاً فما لي من ميراثها؟ فنزلت هذه الآية فبين ميراث جابر أولاً ثم ميراث أخته، فصارت الآية عامة لجميع الناس. قال: { إِن ٱمْرُؤٌاْ هَلَكَ } يعني إن مات رجل { لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } من المال { وَهُوَ يَرِثُهَا } يعني إذا ماتت الأخت والأخ حي ورثها { إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَا وَلَدٌ }. وقد ذكرت الآية حكم الأخ والأخت، إذا لم يكن لهما ولد، ولم يبين أنه لو كان لأحدهما ولد فمات أحدهما فما حكمه؟ ولكن بين على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن للابنة النصف وما بقي فللأخت، وإن كانت الأخت هي التي ماتت وتركت ابنة وأخاً فللابنة النصف وما بقي فللأخ وفي هذا إجماع، وفي الأول اختلاف، قال ابن عباس: لا ترث الأُخت مع الابنة شيئاً، وخالفه جميع الصحابة، وقالوا كلهم الأخوات مع البنات عصبة.