الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } * { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً }

قوله تعالى: { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } يعني أرسلنا إليك جبريل { كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ } يعني كما أرسلنا إلى نوح. ويقال: أوحينا إليك بأن تثبت على التوحيد، وتأمر الناس بالتوحيد كما أوحينا إلى نوح بأن يثبت على التوحيد، ويدعو الناس إلى التوحيد { وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ } أي أوحينا إليهم بذلك: { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ } وهما إبنا إبراهيم عليهم السلام { وَيَعْقُوبَ } وهو إبن إسحق { وَالأَسْبَاطَ } وهم أولاد يعقوب عليه السلام، كانوا اثني عشر سبطاً، أوحينا إلى أنبيائهم بأن يثبتوا على التوحيد، ويدعوا الناس إلى ذلك، { و } أوحينا إلى { عِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ، وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } قرأ حمزة: (زبورا) بضم الزاي، وقرأ الباقون بالنصب في جميع القرآن ومعناهما واحد وهو عبارة عن الكتاب. ثم قال: { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَـٰهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ } يعني قد سميناهم لك من قبل، يعني بمكة { وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } يعني: لم نسميهم لك وقد أرسلناك كما أرسلنا هؤلاء، وروي عن كعب الأحبار أنه قال: كان الأنبياء ألفي ألف ومائتي ألف، وقال مقاتل: كان الأنبياء ألف ألف، وأربعمائة ألف، وأربعة وعشرين ألفاً. وروي عن أنس بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " بعث على أثر ثمانية آلاف من الأنبياء، منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل " قال الفقيه أبو الليث حدثنا الفقيه أبو جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد القاضي، قال: حدثنا إبراهيم بن حشيش البصري عن شعبة، عن أبي إسحق عن الحارث الأعور، عن أبي ذر الغفاري قال: قلت يا نبي الله كم كانت الأنبياء؟ وكم كان المرسلون فقال - صلى الله عليه وسلم -: " كانت الأنبياء مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي، وكان المرسلون ثلاثمائة وثلاثة عشر " ثم قال: { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً }. قال بعضهم: معناه أنه قد أوحى إليه وإنما سماه كلاماً على وجه المجاز كما قال في آية أُخرى:أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ } [الروم: 35] أي يستدلون بذلك، والعرب تقول: قال الحائط كذا، وقال عامة المفسرين، وأهل العلم أن هذا كلام حقيقة، لا كلام مجاز لأنه قد أكده بالمصدر حيث قال: { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } ، والمجاز لا يؤكد لأنه لا يقال: قال الحائط قولاً، فلما أكده بالمصدر نفى عنه المجاز وقال في موضع آخر:إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ: كُنْ، فَيَكُونُ } [النحل: 40] وقد أكده بالتكرار، ونفى عنه المجاز. وقال في موضع آخر:وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً } [الشورى: 51] يعني الأنبياء الذين لم يكونوا مرسلين، فأراهم في المنام، أو من وراء حجاب بكلام مثل ما كلم الله موسى، أو يرسل رسولاً، وهو رسالة جبريل إلى المسلمين.