الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً } * { إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوۤءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

قوله تعالى: { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } أي لا يحب أن يذكر بالقول القبيح لأحد من الناس { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } فيقتص من القول بمثل ما ظلم، فلا جناح عليه. نزلت الآية في شأن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - شتمه رجل فسكت أبو بكر مراراً ثم رد عليه - ويقال: { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } فيدعوا الله تعالى على ظالمه، وقال الفراء: { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } يعني ولا من ظلم، وقال السدي: يقول: من ظلم فانتصر بمثل ما ظلم، فليس عليه جناح وقال الضحاك: { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوءِ } أي لا يحب لكم أن تنزلوا برجل فإذا ارتحلتم عنه، تذمون طعامه، إلا رجلاً أردتم النزول عليه عند حاجتكم فمنعكم، وقال مجاهد: هو في الضيافة، إذا دخل الرجل المسافر إلى القوم يريد أن ينزل عليهم، فلم يضيفوه، فقد رخص له أن يذكر كلاماً عنهم، ويقول فيهم، ويقال: يعني يسبه مثل ما سبه، ما لم يكن كلاماً فيه حد، أو كلمة لا تصلح، ولو لم يقل كان أفضل. وقرأ بعضهم: { إلا من ظلم } متصل بما يفعل الله بعذابكم إلا من ظلم يعني من إشراك بالله، وهو شاذ من القراءة. ثم قال تعالى: { وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً } أي سميعاً بدعاء المظلوم عليماً بعقوبة الظالم. ثم أخبر عن التجاوز أنه خير من الانتصار فقال تعالى: { إِن تُبْدُواْ خَيْراً } يعني أن تظهروا حسنة { أَوْ تُخْفُوهْ } يعني الحسنة { أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوءٍ } يعني يتجاوز عن ظالمه، ولا يجهر بالسوء عنه، فهو أفضل لأن الله تعالى قادر على عباده، فيعفو عنهم [وذلك] قوله: { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً } يعني إن الله أقدر على العقوبة لكم فيعفو عنكم. قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } قال ابن عباس نزلت الآية في أهل الكتاب يؤمنون بموسى وعيسى ويكفرون بغيرهما، وهو قوله: { وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } يعني يريدون أن يتخذوا ديناً، لم يأمر به الله ورسوله { وَيقُولُونَ: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ } بموسى وعزير والتوراة { وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبعيسى والإنجيل، والقرآن { وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } يعني بين اليهودية والإسلام قوله تعالى: { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ حَقّاً } حين كفروا ببعض الرسل { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } يهانون فيه. وقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } يعني، أقروا بوحدانية الله تعالى، وصدقوا بجميع الرسل { وَلَمْ يُفَرّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ } في الإيمان والتصديق، يعني لم يكفروا، ولم يجحدوا بأحد من الأنبياء والرسل - عليهم السلام - ويصدقون بجميع الكتب { أُوْلَـٰئِكَ } يعني أهل هذه الصفة { سَوْف نؤتّيهِمْ أُجُورَهُمْ } أي سنعطيهم ثوابهم في الجنة { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } لذنوبهم { رَّحِيماً } بهم لما كان منهم في الشرك. قرأ عاصم في رواية حفص: (يؤتيهم) بالياء، وقرأ الباقون (نؤتيهم) بالنون.