فقال تعالى: { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } المنافق في اللغة اشتقاقه من نافقاء اليربوع، ويقال: لليربوع جحران، أحدهما نافقاء، والآخر قاصعاء، فيظهر نفسه في أحدهما ويخرج من الآخر، ولهذا يسمى المنافق منافقاً، لأنه يظهر من نفسه أنه مسلم، ويخرج عن الإسلام إلى الكفر. قرأ [أهل الكوفة] حمزة والكسائي وعاصم: (الدرك) بجزم الراء وقرأ الباقون: بالنصب، وهما لغتان: الدرك، والدرك، وجماعتهما، أدراك: وهي المنازل بعضها أسفل من بعض، فأعد للمنافقين الدرك الأسفل من النار، وهي الهاوية، ثم قال تعالى: { وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } أي مانعا يمنعهم من العذاب. ثم قال تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } من النفاق { وَأَصْلَحُواْ } أعمالهم { وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ } أي تمسكوا بدين الله وبتوحيده { وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } أي بتوحيدهم لله بالإخلاص، فإن فعلوا ذلك { فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي المصدقين على دينهم، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، ثم قال: { وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي يعطي الله المؤمنين { أَجْراً عَظِيماً } يعني ثواباً عظيماً في الآخرة، وفي هذه الآية دليل: أن المنافقين هم شر خلق الله، لأنه أوعدهم الدرك الأسفل من النار، ثم استثنى لهم أربعة أشياء: التوبة، والإخلاص، والإصلاح، والإعتصام، ثم قال بعد هذا كله: { فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ولم يقل: هم المؤمنون، ثم قال: { وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ولم يقل: سوف يؤتيهم الله، بغضاً لهم، وإعراضاً عنهم، والمنافقون هم الزنادقة والقرامطة الذين هم بين المؤمنين، يظهرون من أنفسهم الإسلام، وإذا اجتمعوا فيما بينهم يسخرون بالإسلام وأهله، فهم من أهل هذه الآية. ومأواهم الهاوية. قوله تعالى: { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ } أي ما يصنع الله بعذابكم { إِن شَكَرْتُمْ } يعني إن آمنتم بالله تعالى ووحدتموه، ويقال: معناه ما حاجة الله إلى تعذيبكم لو كنتم موحدين شاكرين له { وَءامَنتُمْ } به وصدقتم رسله، ثم قال تعالى: { وَكَانَ ٱللَّهُ شَـٰكِراً عَلِيماً } أي شاكراً للقليل من أعمالكم، عليماً بأعمالكم وثوابكم، ويقال: شاكراً يقبل اليسير، ويعطي الجزيل، عليماً بما في صدوركم، ويقال: بمن شكر وآمن، فلا يعذب شاكراً، ولا مؤمناً.