الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } * { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }

فقال تعالى: { ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ } يعني ينتظرون بكم الدوائر، وهو تغيير الحال عليكم { فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ } يعني النصرة والغلبة على العدو، { قَالُواْ: أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ } فأعطونا من الغنيمة { وَإِن كَانَ لِلْكَـٰفِرِينَ نَصِيبٌ } يعني الظفر والغلبة على المؤمنين { قَالُواْ } للكفار { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } يعني، ألم نخبركم بصورة المسلمين، ونطلعكم على سرهم، ونخبركم عن حالهم، ويقال: ألم نستحوذ عليكم: يعني ألم نغلب عليكم بالمودة لكم. والاستحواذ هو الاستيلاء على الشيء، كقوله تعالىٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } [المجادلة: 19] ثم قال: { وَنَمْنَعْكُمْ مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني نجادل المؤمنين عنكم ونجنبهم عنكم، قال الله تعالى: { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي بين المؤمنين والمنافقين والكافرين، { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَـٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } أي الحجة ويقال: دولة دائمة، أي لا تدوم دولتهم، وروي عن علي - كرم الله وجهه - أنه سئل عن قوله عز وجل أن الله تعالى يقول: { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَـٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } وهم يسلطون علينا، ويغلبوننا فقال: لا يسلط الكافر على المؤمن في الآخرة، يوم القيامة ثم بين حال المنافقين في الدنيا وخداعهم فقال تعالى: { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ } أي يظنون أنهم يخادعون الله { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } أي يجازيهم جزاء خداعهم، وهو أنهم يمشون مع المؤمنين على الصراط يوم القيامة، ثم يسلبهم النور فيبكون في ظلمة، ثم قال تعالى: { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ } يعني المنافقين { قَامُواْ كُسَالَىٰ } أي متثاقلين { يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ } أي لا يرونها حقاً، ويصلون مرآة للناس وسمعة { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } قال ابن عباس: لو كان ذلك القليل لله تعالى لكان كثيراً وتقبل منهم، ولكن لن يريدوا به وجه الله تعالى. ثم قال: { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ } أي مترددين، ويقال: منفضحين بين ذلك { لاَ إِلَىٰ هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء } يعني ليسوا مع المؤمنين في التصديق ولا مع اليهود في الظاهر { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } أي من يخذله الله عن الهدى { فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } أي مخرجاً. ثم قال: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي صدقوا، قال مقاتل: الذين آمنوا بزعمهم، وهم المنافقون { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ويقال: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } في الظاهر، وأسروا النفاق، ويقال: يعني المؤمنين المخلصين، كانت بينهم وبين اليهود صداقة وكانوا يأتونهم، فنهاههم الله تعالى عن ذلك فقال: { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ثم قال تعالى: { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } يعني حجة مبينة في الآخرة. ثم بين مأوى المنافقين في الآخرة.