فقال تعالى: { ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ } يعني ينتظرون بكم الدوائر، وهو تغيير الحال عليكم { فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ } يعني النصرة والغلبة على العدو، { قَالُواْ: أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ } فأعطونا من الغنيمة { وَإِن كَانَ لِلْكَـٰفِرِينَ نَصِيبٌ } يعني الظفر والغلبة على المؤمنين { قَالُواْ } للكفار { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } يعني، ألم نخبركم بصورة المسلمين، ونطلعكم على سرهم، ونخبركم عن حالهم، ويقال: ألم نستحوذ عليكم: يعني ألم نغلب عليكم بالمودة لكم. والاستحواذ هو الاستيلاء على الشيء، كقوله تعالى{ ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } [المجادلة: 19] ثم قال: { وَنَمْنَعْكُمْ مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني نجادل المؤمنين عنكم ونجنبهم عنكم، قال الله تعالى: { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي بين المؤمنين والمنافقين والكافرين، { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَـٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } أي الحجة ويقال: دولة دائمة، أي لا تدوم دولتهم، وروي عن علي - كرم الله وجهه - أنه سئل عن قوله عز وجل أن الله تعالى يقول: { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَـٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } وهم يسلطون علينا، ويغلبوننا فقال: لا يسلط الكافر على المؤمن في الآخرة، يوم القيامة ثم بين حال المنافقين في الدنيا وخداعهم فقال تعالى: { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ } أي يظنون أنهم يخادعون الله { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } أي يجازيهم جزاء خداعهم، وهو أنهم يمشون مع المؤمنين على الصراط يوم القيامة، ثم يسلبهم النور فيبكون في ظلمة، ثم قال تعالى: { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ } يعني المنافقين { قَامُواْ كُسَالَىٰ } أي متثاقلين { يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ } أي لا يرونها حقاً، ويصلون مرآة للناس وسمعة { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } قال ابن عباس: لو كان ذلك القليل لله تعالى لكان كثيراً وتقبل منهم، ولكن لن يريدوا به وجه الله تعالى. ثم قال: { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ } أي مترددين، ويقال: منفضحين بين ذلك { لاَ إِلَىٰ هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء } يعني ليسوا مع المؤمنين في التصديق ولا مع اليهود في الظاهر { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } أي من يخذله الله عن الهدى { فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } أي مخرجاً. ثم قال: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي صدقوا، قال مقاتل: الذين آمنوا بزعمهم، وهم المنافقون { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ويقال: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } في الظاهر، وأسروا النفاق، ويقال: يعني المؤمنين المخلصين، كانت بينهم وبين اليهود صداقة وكانوا يأتونهم، فنهاههم الله تعالى عن ذلك فقال: { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ثم قال تعالى: { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } يعني حجة مبينة في الآخرة. ثم بين مأوى المنافقين في الآخرة.