الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ }

قوله عز وجل: { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ مِن كُلّ مَثَلٍ } يعني بينا في هذا القرآن من كل شيء، وقد بين بعضه مفسراً، وبعضه مبهماً مجملاً { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } أي لكي يتعظوا { قُرْءاناً عَرَبِيّاً } يعني أنزلناه قرآناً عربياً، بلغة العرب { غَيْرَ ذِى عِوَجٍ } يعني ليس بمختلف، ولكنه مستقيم، ويقال: غير ذي تناقض، ويقال غير ذي عيب، ويقال: غير ذي عوج أي غير مخلوق، قال أبو الليث رحمه الله حدثنا محمد بن داود قال حدثنا محمد بن أحمد بإسناده قال حدثنا أبو حاتم الداري عن سليمان بن داود العتكي عن يعقوب بن محمد بن عبد الله الأشعري عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: في قوله تعالى: { قُرْءاناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِى عِوَجٍ } قال غير مخلوق { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي لكي يتقوا الشرك { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } أي بين شبهاً { رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَـٰكِسُونَ } أي عبداً بين موالي مختلفين، يأمره هذا بأمر وينهاه هذا عنه، ويقال متشاكسون أي مختلفون يتنازعون { وَرَجُلاً سَلَماً لّرَجُلٍ } أي خالصاً لرجل لا شركة فيه لأحد، قرأ ابن كثير وأبو عمر (سَالِماً) بالألف وكسر اللام، والباقون (سَلَماً) بغير ألف ونصب السين، فمن قرأ سَالِماً فهو اسم الفاعل على معنى سلم فهو سالم، ومعناه الخالص، ومن قرأ (سَلَماً) فهو مصدر فكأنه أراد به رجلاً ذا سلم لرجل، ومعنى الآية: هل يستوي من عبد آلهة مختلفة، كمن عبد رباً واحداً، وقال قتادة الرجل: الكافر، والشركاء: الشياطين والآلهة وَرَجُلاً سَلَماً المؤمن يعمل لله تعالى وحده، وقال بعضهم هذه المثل للراغب والزاهد، فالراغب شغلته أمور مختلفة فلا يتفرغ لعبادة ربه، فإذا كان في العبادة فقلبه مشغول بها، والزاهد قد يتفرغ عن جميع أشغال الدنيا فهو يعبد ربه خوفاً وطمعاً { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } يعني عنده في المنزلة يوم القيامة { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } قال مقاتل الحمد لله حين خصهم، ويقال: الحمد لله على تفضيل من اختاره على من اشتغل بما دونه، ويقال يعني: قولوا الحمد لله { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أَنَّ عبادة رب واحد خير من عبادة أرباب شتى ويقال { لاَّ يَعْلَمُونَ } أنهما لا يستويان ويقال { لاَّ يَعْلَمُونَ } توحيد ربهم { إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ } ذلك أن كفار قريش قالوا: نتربص به ريب المنون، يعني ننتظر موت محمد - عليه السلام - فنزل { إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ } يعني أنت ستُموت وهم سيموتون، ويقال { إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ } يعني إنك لميت لا محالة وإنهم لميتون لا محالة، والشيء إذا قرب من الشيء سمي باسمه، فالخلق كلهم إذا كانوا بقرب من الموت فكل واحد منهم يموت لا محالة فسماهم ميتين { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } أي تتكلمون بحججكم الكافر مع المؤمن، والظالم مع المظلوم، فإن قيل: قد قال في آية أخرى:

السابقالتالي
2