الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ } * { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } * { وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ } * { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ } * { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } * { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } * { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } * { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ }

قال عز وجل: { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ } يعني جند عند ذلك، وما زائدة، يعني حين أرادوا قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - { مَهْزُومٌ } يعني مغلوب { مِّن ٱلأَحَزَابِ } يعني من الكفار، وقال مقاتل: فأخبر الله تعالى بهزيمتهم ببدر وقال الكلبي: يعني عند ذلك إن أرادوه، مهزوم: مغلوب ثم قال عز وجل: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ } يعني من قبل أهل مكة { قَوْمُ نُوحٍ، وَعَادٌ، وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } يعني ذو ملك ثابت شديد دائم، ويقال ذو بناء محكم، ويقال: يعني: في عز ثابت والعرب تقول: فلان في عز ثابت الأوتاد، يريدون دائم شديد، وأصل هذا أن بيوت العرب تثبت بأوتاد، ويقال هي أوتاد كانت لفرعون يعذب بها، وكان إذا غضب على أحد شده بأربعة أوتاد ثم قال: { وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَـٰبُ الأََيْكَةِ } يعني الغيضة وهم قوم شعيب عليه السلام { أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ } يعني الكفار، سموا أحزاباً لأنهم تحزبوا على أنبيائهم، أي تجمعوا، وأخبر في الابتداء أن مشركي قريش حزب من هؤلاء الأحزاب { إِن كُلٌّ } يعني ما كل { إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرٌّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ } يعني وجب عذابي عليهم قوله عز وجل { وَمَا يَنظُرُ هَـؤُلآء } يعني قومك { إِلاَّ صَيْحَةً وٰحِدَةً } يعني النفخة الأولى { مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } يعني من نظرة ومن رجعة، قرأ حمزة والكسائي (فُواق) بضم الفاء، وقرأ الباقون بالنصب، ومعناهما واحد، يسمى ما بين حلبتي الناقة فواق، لأن اللبن يعود إلى الضرع، وكذلك إفاقة المريض، يعني يرجع إلى الصحة، فقال: ما لها من فواق، يعني من رجوع، وقال أبو عبيدة: من فتحها أراد ما لها من راحة ولا إفاقة يذهب بها إلى إفاقة المريض، ومن ضمها، جعلها من فواق الناقة، وهو ما بين الحلبتين، يعني: ما لها من انتظار، وقال القتبي: الفُواق، والفَواق واحد وهو ما بين الحلبتين، ثم قال تعالى { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجّل لَّنَا قِطَّنَا } قال ابن عباس وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لقريش: " من لم يؤمن بالله أعطي كتابه بشماله " ، فقالوا: { رَبَّنَا عَجّل لَّنَا قِطَّنَا } يعني صحيفتنا، وكتابنا في الدنيا { قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } والقط في اللغة: الصحيفة المكتوبة، ويقال لما نزل قولهفَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } [الحاقة: 19] فقالوا ربنا عجل لنا هذا الكتاب { قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } استهزاء، ثم عزّى نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال عز وجل: { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } من التكذيب { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاودُ ذَا ٱلأَيْدِ } يعني ذا القوة على العبادة { إِنَّهُ أَوَّابٌ } يعني مقبل على طاعة الله عز وجل وقال مقاتل: أَوَّابٌ يعني: مطيع قوله عز وجل: { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ } يعني: ذللنا الجبال { يُسَبّحْنَ } مع داود عليه السلام { بِٱلْعَشِىّ وَٱلإشْرَاقِ } يعني في آخر النهار وأوله، وروى طاووس أن ابن عباس قال لأصحابه، هل تجدون صلاة الضحى في القرآن؟ قالوا لا، قال بلى، قوله: { يُسَبّحْنَ بِٱلْعَشِىّ وَٱلإشْرَاقِ } كانت صلاة الضحى يصليها داود عليه السلام ثم قال عز وجل { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً } يعني مجموعة { كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } يعني مطيع وقال عمرو بن شرحبيل الأواب بلغة الحبشة: المسيح، وقال الكلبي: المقبل على طاعة الله تعالى قوله عز وجل { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } يعني قوينا حراسه، قال مقاتل والكلبي: كان يحرسه كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألف رجل، ويقال قوينا ملكه وأثبتناه وحفظناه عليه وروي في الخبر، أن غلاماً استعدى على رجل وادعى عليه بقراً، فأنكر المدعي عليه، وقد كان لطمه لطمة حين ادعى عليه، فسأل داود من الغلام البينة، فلم يقمها فرأى داود في منامه أن الله عز وجل يأمره أن يقتل المدعى عليه، ويسلم البقر إلى الغلام فقال داود هو منام، ثم أتاه الوحي بذلك فأخبر بذلك بنو إسرائيل فجزعت بنو إسرائيل وقالوا رجل لطم غلاماً لطمة فقتله بذلك؟ فقال داود عليه السلام: هذا أمر الله تعالى به، فسكتوا، ثم أحضر الرجل فأخبره أن الله تعالى أمره بقتله، فقال الرجل صدقت يا نبي الله إني قتلت أباه غيلة وأخذت البقر فقتله داود، فعظمت هيبته وشدد ملكه فلما رأى الناس ذلك جل أمره في أعينهم، وقالوا: إنه يقضي بوحي الله تعالى ثم إن الله تعالى أرخى سلسلة من السماء وأمره بأن يقضي بها بين الناس فمن كان على الحق يأخذ السلسلة، ومن كان ظالماً لا يقدر على أخذ السلسلة وقد كان غصب رجل من رجل لؤلؤاً، فجعل اللؤلؤ في جوف عصاً له، ثم خاصمه المدعي إلى داود عليه السلام فقال المدعي إن هذا أخذ مني لؤلؤاً وإني لصادق في مقالتي، فجاء وأخذ السلسلة، ثم قال المدعى عليه خذ مني العصا، فأخذ عصاه، وقال إني قد دفعت إليه اللؤلؤ، وإني لصادق في مقالتي، فجاء وأخذ السلسلة، فتحير داود عليه السلام في ذلك، فرفعت السلسلة، وأمره بأن يقضي بالبينات والأيمان، فذلك قوله عز وجل { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ } يعني الفهم والعلم، ويقال يعني النبوة { وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ } يعني القضاء بالبينات والأيمان وقال قتادة والحسن: وفصل الخطاب يعني البينة على الطالب، واليمين على المطلوب.