الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } * { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ } * { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } * { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

قوله عز وجل: { أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقْنَـٰهُ مِن نُّطْفَةٍ } روى سفيان عن الكلبي عن مجاهد قال أتى أبيّ بن خلف الجمحي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعظم بالي قد أتى عليه حين، فقام ففته بيده ثم قال يا محمد أتعدنا أنا إذا متنا وكنا مثل هذا بعثنا؟ فأنزل الله تعالى { أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَـٰنُ } الآية وروي عن ابن عباس رضي الله عنه: أنه قال: لما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرون الماضية أنهم يبعثون بعد الموت، وأنكم يا أهل مكة معهم، فأخذ أبي بن خلف الجمحي عظماً بالياً فجعل يفته بيده ويذروه في الرياح، ويقول عجباً يا أهل مكة إن محمداً يزعم أنا إذا متنا وكنا عظاماً بالية مثل هذا العظم وكنا تراباً، أنا نعاد خلقاً جديداً، وفينا الروح، وذلك ما لا يكون أبداً. فنزل { أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقْنَـٰهُ مِن نُّطْفَةٍ } يعني: أولم يعلم هذا الكافر أنا خلقناه أول مرة من نطفة { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } جدل بالباطل، ويقال خصيم بين الخصومة فيما يخاصم، مبين أي بين { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً } يعني: وصف لنا شبهاً في أمر العظام. ويقال وصف لنا بالعجز { وَنَسِىَ خَلْقَهُ } يعني: وترك ابتداءه حين خلقه من نطفة، ويقال ترك النظر في خلق نفسه فلم يعتبر و { قَالَ مَن يُحيىِ ٱلْعِظَـٰمَ وَهِىَ رَمِيمٌ } يعني: بالية، والرميم: العظم البالي. يقال رم العظم إذا بلي قال الله تعالى: { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ } يعني: قل يا محمد يحيي العظام الذي خلقها أول مرة، يعني: في أول مرة ولم يكن شيئاً ثم قال عز وجل: { وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } يعني: عليم بخلقهم، وببعثهم، ثم أخبر عن صنعه ليعتبروا في البعث فقال: { ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ } يعني: قل يا محمد العظام يحييها { ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ } { مّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مّنْه تُوقِدُونَ } قال الكلبي كل شجرة يقدح منها النار إلا شجرة العناب، فمن ذلك القصارون يدقون عليه { فَإِذَا أَنتُم مّنْه تُوقِدُونَ } يعني: تقدحون يعني: فهو الذي يقدر على أن يبعثكم ثم قال عز وجل: { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } وهي أعْظَمُ خلقاً { بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم } في الآخرة. والكلام يخرج على لفظ الاستفهام ويراد به التقرير. ثم قال: { بَلَىٰ } هو قادر على ذلك { وَهُوَ ٱلْخَلَّـٰقُ ٱلْعَلِيمُ } يعني: الباعث العليم ببعثهم قوله عز وجل: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً } من أمر البعث وغيره { أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } خلقاً. قرأ ابن عامر والكسائي فيكون بالنصب وقد ذكرناه في سورة البقرة { فَسُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْء } يعني: خلق كل شيء من البعث وغيره.

السابقالتالي
2