الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } * { وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } * { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } * { وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ } * { وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ } * { إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } * { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ } * { ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }

قال عز وجل: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء إِلَى ٱللَّهِ } يعني: أنتم محتاجون إلى ما عنده ويقال أنتم الفقراء إلى الله في رزقه ومغفرته { وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ } الغنى عن عبادتكم الحميد في فعاله وسلطانه وهذا كما قال في آية أخرى:وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ } [محمد: 38] لأن كل واحد يحتاج إليه لأن أحداً لا يقدر أن يصلح أمره إلا بالأعوان والأمير ما لم يكن له خدم وأعوان لا يقدر على الإمارة وكذلك التاجر يحتاج إلى المكارين والله عز وجل غني عن الأعوانِ وغيره ثم قال عز وجل: { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } يعني: يهلككم ويميتكم { وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } أفضل منكم وأطوع لله { وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } يعني: شديد { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } يعني: لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى، ويقال: لا تحمل بالطوع ولكن يحمل عليها إذا كان له خصماً ثم قال: { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا } يعني: الذي أثقلته الذنوب والأوزار إن لو دعا أحداً ليحمل عنه بعض أوزاره لا يحمل من وزره شيئاً وإن كان ذا قرابة لا يحمل من وزره، وروى إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة قال إن الوالد يتعلق بولده يوم القيامة فيقول يا بني إني كنت لك والداً فيثني عليه خيراً فيقول يا بني قد احتجت إلى مثقال ذرة وفي رواية أخرى: إلى مثقال حبة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى فيقول له ولده ما أيسر ما طلبت ولكن لا أطيق إني أخاف مثل الذي تخوفت ثم يتعلق بزوجته فيقول لها إني كنت لك زوجاً في الدنيا فيثني عليها خيراً، ويقول إني طلبت إليك حسنة واحدة لعلي أنجو بها مما ترين فتقول ما أيسر ما طلبت ولكن لا أطيق إني أخاف مثل الذي تخوفت فذلك قوله: { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا } { لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْء وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } ثم قال: { إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ } يعني: إنما تخوف بالقرآن الذين يخافون ربهم بالغيب يعني آمنوا بالله وهم في غيب منه { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } يعني: يقيمون الصلاة وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُنذر المؤمنين والكافرين ولكن الذين يخشون ربهم هم الذين يقبلون الإنذار فكأنه أنذرهم خاصة ثم قال: { وَمَن تَزَكَّىٰ } يعني: توحد، ويقال: تطهر نفسه من الشرك، ويقال: من صلح فإنما صلاحه لنفسه يثاب عليه في الآخرة، ويقال: من يعطي الزكاة فإنما ثوابه لنفسه { فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } فيجازيهم بعملهم قوله عز وجل: { وَمَا يَسْتَوِى ٱلأَعْمَىٰ } يعني: الكافر الأعمى عن الهدى { وَٱلْبَصِيرُ } يعني: المؤمن { وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ } يعني: الكفر والإيمان { وَلاَ ٱلظّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ } يعني: الجنة والنار ولا الحرور هو استقرار الحر { وَمَا يَسْتَوِى ٱلأَحْيَاء وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ } قال القتبي مثل الأعمى والبصير كالكافر والمسلم والظلمات والنور مثل الكفر والإيمان والظل والحرور مثل الجنة والنار وما يستوي الأحياء ولا الأموات مثل العقلاء والجهال ثم قال: { إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ } يعني: يفقه من يشاء { وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى ٱلْقُبُورِ } يعني: لا تقدر أن تفقه الأموات وهم الكفار { إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ } يعني: ما أنت إلا رسول { إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ بِٱلْحَقّ } يعني: بالقرآن ويقال: لبيان الحق { بَشِيراً وَنَذِيراً } وقد ذكرناه { وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } يعني: وما من أمة فيما مضى إلا فيهم نذير، يعني إلا جاءهم رسول ثم قال: { وَإِن يُكَذّبُوكَ } يا محمد { فَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } يعني: بالأمر والنهي { وَبِٱلزُّبُرِ } يعني: بالكتب وبأخبار من كان قبلهم { وَبِٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُنِيرِ } يعني: المضيء الكتاب هو نعت لما سبق ذكره من البينات والزبر { ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني: الذين كذبوهم فعاقبتهم { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } يعني: كيف كان إنكاري وتغييري عليهم ثم ذكر خلقه ليعتبروا به ويوحدوه.