الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } * { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ }

قال عز وجل: { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا } قال في رواية الكلبي إنهم قالوا للرسل إنا قد عرفنا نعمة الله علينا فوالله لئن يرد الله فيئتنا وجماعتنا والذي كنا عليه لنعبدنه عبادة لم يعبدها إياه قوم قط فدعت لهم الرسل ربهم فرد الله لهم ما كانوا عليه وأتاهم نعمة وجعل لهم من أرضهم إلى أرض الشام قرى متصلة بعضها إلى بعض فذلك قوله وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها { قُرًى ظَـٰهِرَةً } ثم عادوا إلى الكفر فأتاهم الرسل فذكروهم نعمة الله فكذبوهم فمزقهم الله كل ممزق وقال غيره { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا } هذا حكاية عما كانوا فيه من قبل أن يرسل عليهم سيل العرم قرى ظاهرة يعني متصلة على الطريق من حيث يرى بعضها من بعض { وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ } للمبيت والمعيل من قرية إلى قرية { سِيرُواْ فِيهَا } يعني ليسيروا فيها، اللفظ لفظ الأمر، والمراد به الشرط والجزاء فلم يشكروا ربهم فسألوا ربهم أن تكون القرى والمنازل بعضها أبعد من بعض { لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَـٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا } وقد كانوا في قراهم آمنين منعّمين فذلك قوله: { لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } يعني أنهم كانوا يسيرون من قرية إلى قرية بالليل والنهار آمنين من الجوع والعطش واللصوص والسباع، قرأ ابن كثير وأبو عمرو بعد بغير ألف وتشديد العين وقرأ الباقون باعد بالألف، وهما لغتان بَعّدَ باعد، وقرأ يعقوب الخضرمي وكان من أهل البصرة ربُنا بضم الباء باعَد بنصب العين وهو على معنى الخبر، وروى الكلبي عن أبي صالح أنه قرأ هكذا معناه ربنا باعد بين أسفارنا فلذلك لا ينصب ثم قال { وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } بالشرك وتكذيب الأنبياء { فَجَعَلْنَـٰهُمْ أَحَادِيثَ } يعني أهلكهم الله تعالى فصاروا أحاديث للناس يتحدثون في أمرهم وشأنهم لم يبق أحد منهم في تلك القرى { وَمَزَّقْنَـٰهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } أي فرقناهم في كل وجه فألقى الله الأزد بعمان الأوس والخزرج بالمدينة وهما أخوان وأهل المدينة كانوا من أولادهما إحدى القبيلتين الخزرج والأخرى الأوس فسموا بإسم أبيهم وخزاعة بمكة كانوا بنو خزاعة منهم لخم وجذام بالشام، ويقال: كلب وغسان { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ } أي: في هلاكهم وتفريقهم لعبرات { لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } يعني للمؤمنين الذين صبروا على طاعة الله تعالى وشكروا نعمته قوله عز وجل: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } يعني على أهل سبأ، ويقال: هذا ابتداء يعني جميع الكفار وذلك أن إبليس قد قال:لأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ص: 82-83] فكان ذلك ظناً منه فصدق ظنه { فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً } يعني طائفة { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وهم الذين قال الله تعالىإِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ }

السابقالتالي
2