الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } * { لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً }

قوله عز وجل: { ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } يعني: ما يرى لهم رأياً فذلك أولى وأحسن لهم من رأيهم ويقال: معناه: النبي أرحم بالمؤمنين من أنفسهم { وَأَزْوٰجُهُ أُمَّهَـٰتُهُمْ } يعني: كأمهاتهم في الحرمة وذكر عن أبي أنه كان يقرأ { ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } قال في رواية الكلبي: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخا بين الناس فكان يؤاخي بين الرجلين فإذا مات أحدهما ورثه الباقي منهما دون عصبته وأهله فمكثوا في ذلك ما شاء الله حتى نزلت هذه الآية { وَأُوْلُوا ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } { فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ } الذين آخى بينهم فصارت المواريث بالقرابات وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " أنا ولي كل مسلم فمن ترك مالاً فلورثته ومن ترك دينا فإلى الله وإلى رسوله " فأمر بصرف الميراث إلى العصبة ثم قال تعالى: { إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُمْ مَّعْرُوفاً } يعني: إلا أن يوصي له بثلث ماله وقال مقاتل: كان المهاجرون والأنصار يرثون بعضهم من بعض بالقرابة ولا يرث من لم يهاجر إلا أن يوصي للذي لم يهاجر ثم نسخ بما في آخر سورة الأنفال ثم قال: { كَانَ ذٰلِك فِى ٱلْكِتَـٰبِ مَسْطُورًا } يعني: هكذا كان مكتوباً في التوراة ويقال في اللوح المحفوظ ويقال: في القرآن قوله عز وجل: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ } وهو الوحي الذي أوحى إليهم أن يدعوا الخلق إلى عبادة الله عز وجل وأن يصدق بعضهم بعضاً ويقال: الميثاق الذي أخذ عليهم من ظهورهم ويقال: كل نبي أمر بأن يأمر من بعده بأن يخبروا ببعث النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ينتهي إليه ثم قال: { وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ } في هذا تفضيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه قد ذكر جملة الأنبياء - عليهم السلام - ثم خصه بالذكر قبلهم وكان آخرهم خروجاً ثم ذكر نوحاً لأنه كان أولهم ثم ذكر إبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم صلوات الله عليهم لأن كل واحد منهم كان على أثر بعض فقال: { وَإِبْرٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } ثم قال: { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَـٰقاً غَلِيظاً } يعني: عهداً وثيقاً أن يعبدوا الله تعالى ويدعوا الخلق إلى عبادة الله عز وجل وأن يبشروا كل واحد منهم بمن بعده ثم قال عز وجل: { لِّيَسْأَلَ ٱلصَّـٰدِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ } يعني: أخذ عليهم الميثاق لكي يسأل الصادقين عن صدقهم يعني: يسأل المرسلين عن تبليغ الرسالة ويسأل الوفيين عن وفائهم وروي في الخبر أنه يسأل القلم يوم القيامة فيقول له ما فعلت بأمانتي فيقول يا رب سلمتها إلى اللوح ثم جعل القلم يرتعد مخافة أن لا يصدقه اللوح فيسأل اللوح بأن القلم قد أدى الأمانة وأنه قد سلم إلى إسرافيل فيقول لإسرافيل ما فعلت بأمانتي التي سلمها إليك اللوح فيقول سلمتها إلى جبريل فيقول لجبريل عليه السلام: ما فعلت بأمانتي فيقول: سلمتها إلى أنبيائك فيسأل الأنبياء عليهم السلام فيقولون: قد سلمناها إلى خلقك فذلك قوله تعالى: { لِّيَسْأَلَ ٱلصَّـٰدِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ } { وَأَعَدَّ لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً } يعني: الذين كذبوا الرسل قوله عز وجل: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ... }.