الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً } * { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

قوله عز وجل: { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ } والصلاة من الله الرحمة والمغفرة ومن الملائكة - عليهم السلام - الاستغفار يعني أن الله عز وجل يغفر للنبي ويأمر ملائكته بالاستغفار والصلاة عليه ثم أمر المسلمين بالصلاة عليه فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ } روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أنه قال " قلنا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد " إلى آخره وروى أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " صلوا علي فإن الصلاة علي زكاة لكم واسألوا الله لي الوسيلة قالوا وما الوسيلة يا رسول الله قال أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو " وروى أنس بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات " ويقال ليس شيء من العبادات أفضل من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن سائر العبادات أمر الله تعالى بها عباده وأما الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد صلى عليه أولاً هو بنفسه وأمر الملائكة بذلك ثم أمر العباد بذلك ثم قال { وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً } يعني: اخضعوا له خضوعاً ويقال: ائتمروا بما يأمركم الله تعالى ويقال: لما نزلت هذه الآية قال المسلمون هذا لك فما لنا فنزل:هُوَ ٱلَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلَـٰئِكَتُهُ } [الأحزاب: 43] ثم قال عز وجل { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يعني: اليهود والنصارى حيث قالوا:يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ } [المائدة: 64] ونحو ذلك من الكلمات ويقال أذاهم الله وهو قولهم لله ولد ونحو ذلك وإيذاءهم رسوله أنهم زعموا أنه ساحر ومجنون { لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِى ٱلدُّنْيَا } يعني: عذبهم الله في الدنيا بالقتل والسبي { وَٱلآخِرَةِ } بالنار ويقال: هم الذين يجعلون التصاوير ويقولون تخلق كما يخلق الله تعالى { وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً } يهانون فيه ثم قال عز وجل { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ } يعني: بغير جرم { فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً } يعني: قالوا كذباً { وَإِثْماً مُّبِيناً } يعني ذنباً بيّناً قال مقاتل: قال السدي: نزلت هذه الآية في أمر عائشة وصفوان ويقال: في جميع من يؤذي مسلماً بغير حق وقال عثمان لأبي بن كعب: إني قرأت هذه الآية { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } فوقعت مني كل موقع والله إني لأضربهم وأعاقبهم فقال له أبي إنك لست منهم إنك مؤدب معلم قوله عز وجل { يـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لأَزْوٰجِكَ وَبَنَـٰتِكَ } وذلك أن المهاجرين نزلوا في ديار الأنصار فضاقت الدور عليهم وكن النساء يخرجن بالليل إلى التخلي يقضين حوائجهن كان الزناة يرصدون في الطريق وكانوا يطلبون الولائد ولم يعرفوا المرأة الحرة من الأمة بالليل فأمر الحرائر بأخذ الجلباب وقال الحسن كن النساء والإماء بالمدينة يقال لهن كذا وكذا يخرجن فيتعرض لهن السفهاء فيؤذونهن فكانت الحرة تخرج فيحسبون أنها أمة ويؤذونها فأمر الله تعالى المؤمنات أن يدنين عليهن من جلابيبهن وقال القتبي يلبسن الأردية ويقال يعني: يرخين الجلابيب على وجوههن وقال مجاهد يدنين عليهن من جلابيبهن يعني متجلببين ليعلم أنهن حرائر فلا يتعرض لهن فاسق بأذى من قول ولا ريبة قوله: { وَنِسَاء ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ } يعني: أحرى { فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } إذا تابوا ورجعوا ثم وعد المنافقين وخوّفهم لينزجروا عن الحرائر أو الإماء.