الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } * { وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } * { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } * { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً }

قوله عز وجل { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لأَزْوٰجِكَ } وذلك أنه رأى منهن الميل إلى الدنيا وطلبن منه فضل النفقة { إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } يعني: وزهرتها { فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ } متعة الطلاق { وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } يعني: أطلقكن طلاق السنة من غير إضرار قوله عز وجل: { وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يعني: تطلبن رضى الله ورضى رسوله { وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } يعني: الجنة { فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَـٰتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } يعني: ثواباً جزيلاً في الجنة فاعتزل النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه شهراً فلما نزلت هذه الآية جمع نساءه فبدأ بعائشة فقال: " يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمراً أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قالت وما هو يا رسول الله فتلى عليها الآية فقالت أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ بل اختار الله ورسوله والدار الآخرة " ثم خير نساءه فاخترنه سائر النساء ثم قال عز وجل: { يٰنِسَاء ٱلنَّبِىّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـٰحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ } يعني: الزنا { يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } يعني: تعاقب مثلي ما يعاقب غيرها ويقال الجلد والرجم وهذا قول الكلبي ويقال من يأت منكن بفاحشة مبينة يعني: بمعصية يضاعف لها العذاب ضعفين لأن كرامتهن كانت أكثر فجعل العقوبة عليهن أشد وهذا كما روي عن سفيان بن عيينة أنه قال يغفر للجاهل سبعون ما لا يغفر للعالم واحدة ثم قال { وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } يعني: هيناً قرأ ابن كثير وعاصم في إحدى الروايتين (مُّبَيَّنَة) بنصب الياء وقرأ الباقون بالكسر وقرأ ابن كثير وابن عامر (نُضَعِّفْ) بالنون وتشديد العين لها العذابَ بنصب الباء ومعناه لها العذاب وقرأ أبو عمرو: (يُضَـعَّفْ) بالياء والتشديد وضم الباء في العذاب على معنى فعل ما لم يسم فاعله وقرأ الباقون (يضاعف) وهما لغتان والعرب تقول تضعف الشيء وضاعفه ثم قال { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ } أي: تطع منكن الله ورسوله { وَتَعْمَلْ صَـٰلِحاً } يعني: تعمل بالطاعات فيما بينها وبين ربّها { نُؤْتِهَـا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ } يعني: ثوابها ضعفين { وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } يعني: ثواباً حسناً في الجنة قرأ حمزة والكسائي ويعمل صالحاً بالياء وقرأ الباقون بالتاء فمن قرأ بالياء فللفظ مَنْ لأن لفظها لفظ واحد مذكر كما اتفقوا في قوله { وَمَن يَقْنُتْ } ومن قرأ بالياء ذهب إلى المعنى وصار منكن فاصلاً بين الفعلين وقرأ حمزة والكسائي يؤتها بالياء يعني: يؤتها الله وقرأ الباقون بالنون على معنى الإضافة إلى نفسه ثم قال عز وجل: { يٰنِسَاء ٱلنَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ ٱلنّسَاء } يعني: لستن كسائر النساء فقال لستن كأحد ولم يقل كواحد لأن لفظ الأحد يصلح للواحد والجماعة وأما لفظ الواحد لا يصلح إلا للواحد ثم قال عز وجل: { إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ } يعني: إن اتقيتن المعصية وأطعتن الله ورسوله { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ } يعني: لا تلنَّ بالقول ويقال: لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فأنتن أحق الناس بالتقوى وتم الكلام ثم قال { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ } يعني: لا ترفقن بالقول وهو اللين من الكلام ومعلوم أن الرجل إذا أتى باب إنسان والرجل غائب فلا يجوز للمرأة أن تلين القول معه ثم قال: { فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ } يعني: فجور وقال عكرمة هو شهوة الزنا ويقال الميل إلى المعصية { وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } يعني: صحيحاً جميلاً ويقال قولاً حسناً يعني ليناً ويقال لا يقلن باللين فيفتن ولا بالخشن فتؤذين وقلن قولاً معروفاً بين ذلك قال عز وجل: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } قرأ نافع وعاصم (وَقَرْنَ فِى بُيوتكن) بالنصب والباقون بالكسر فمن قرأ بالكسر فمعناه اسكن في بيوتكنَّ بالوقار وهو من وقر يقر وقاراً ويقال هو من التقرير ويقال قر يقر وأصلهُ قررن ولكن المضاعف يراد به التخفيف فحذف إحدى الراءين للتخفيف فلما طرحوا إحدى الراءين استثقلوا الألف ولم تكن أصلية وإنما دخلت للوصل فحذفت الألف ومن قرأ وقرن بنصب القاف لا يكون إلا للتقرير ثم قال: { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ } يعني: لا تتزين كتزين الجاهلية الأولى والتبرج إظهار الزينة ويقال التبرج الخروج من المنزل والجاهلية الأولى قال الكلبي يعني الأزمنة التي ولد فيها إبراهيم عليه السلام فكانت المرأة من أهل ذلك الزمان تتخذ الدروع من اللؤلؤ ثم تمشي وسط الطريق وكان ذلك في زمن النمرود الجبار وروي عن الحكم بن عيينة قال الجاهلية الأولى كانت بين نوح وآدم عليهما السلام وكانت نساؤهم أقبح ما يكون من النساء ورجالهم حسان وكانت المرأة تريد الرجل على نفسها وروى عكرمة عن ابن عباس أن الجاهلية الأولى كانت بين نوح وإدريس وكانت ألف سنة وقال مقاتل الجاهلية الأولى كانت قبل خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما سمى جاهلية الأولى لأنه كان قبله ثم قال: { وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ } يعني: أتُممن الصلوات الخمس { وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ } يعني: إن كان لكن مال { وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } فيما ينهاكن وفيما يأمركن { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرّجْسَ } يعني: الإثم وأصله في اللغة كل خبيث من المأكول وغيره { أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } يعني: يا أهل البيت وإنما كان نصباً للنداء ويقال إنما صار نصباً للمدح ويقال صار نصباً على جهة التفسير فكأنه يقول أعني أهل البيت وقال عنكم بلفظ التذكير ولم يقل عنكن لأن لفظ أهل البيت يصلح أن يذكر ويؤنث قوله { وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيــراً } يعني: من الإثم والذنوب.