الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } * { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } * { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } * { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } * { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً } * { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً } * { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }

قوله عز وجل: { إِذْ جاؤوكم مّن فَوْقِكُمْ } يعني: أتاكم المشركون من فوق الوادي يعني: طلحة بن خويلد الأسدي { وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } من قبل المغرب وهو أبو الأعور السلمي ويقال من فوقكم أي من قبل المشرق مالك بن عوف وعيينة بن حصن الفزاري ويهود بني قريظة ومن أسفل منكم أبو سفيان فلما رأى ذلك قالوا { وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَـٰرُ } يعني: شخصت الأبصار فرقاً يعني: أبصار المنافقين لأنهم أشد خوفاً كأنهم خشب مسندة { وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ } خوفاً هذا على وجه المثل ويقال اضطراب القلب يبلغ الحناجر ويقال إذا خاف الإنسان تنتفخ الرئة وإذا انتفخت الرئة يبلغ القلب الحنجرة ويقال للجبان منتفخ الرئة { وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } يعني: الإياس من النصرة يعني: ظننتم أن لن ينصر الله عز وجل محمداً - صلى الله عليه وسلم - قرأ ابن كثير والكسائي وعاصم في رواية حفص الظنون بالألف عند الوقف ويطرحونها عند الوصل وكذلك في قولهوَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ } [الأحزاب: 66]فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ } [الأحزاب: 67] وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر بالألف في حال الوصل والوقف وقرأ أبو عمرو وحمزة بغير ألف في الحالتين جميعاً فمن قرأ بالألف في الحالين فلاتباع الخط لأن في مصحف الإمام وفي سائر المصاحف بالألف ومن قرأ بغير ألف فلأن الألف غير أصلية وإنما يستعمل هذه الألف الشعراء في القوافي وقال أبو عبيدة أحب إلي في هذه الحروف أن يتعمد الوقف عليها بالألف ليكون متبعاً للمصحف واللغة ثم قال عز وجل: { هُنَالِكَ ٱبْتُلِىَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } يعني: عند ذلك اختبر المؤمنون يعني: أمروا بالقتال والحضور وكان في ذلك اختباراً لهم { وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } أي: حركوا تحريكاً شديداً واجتهدوا اجتهاداً شديداً { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } وهم لم يقولوا رسول الله وإنما قالوا باسمه ولكن الله عز وجل ذكره بهذا اللفظ قوله عز وجل: { وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ } يعني: جماعة من المنافقين { يٰأَهْلَ يَثْرِبَ } يعني: يا أهل المدينة وكان اسم المدينة يثرب فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة { لاَ مُقَامَ لَكُمْ } قرأ عاصم في رواية حفص بضم الميم وقرأ الباقون بالنصب فمن قرأ بالضم فمعناه لا إقامة لكم ومن قرأ بالنصب فهو بالمكان أي لا مكان لكم تقومون فيه والجمع المقامات وكان أبو عبيدة يقرأ بالنصب لأنه يحتمل المقام والمكان جميعاً يعني أن المنافقين قالوا خوفاً ورعباً منهم لا مقام لكم عند القتال { فَٱرْجِعُواْ } يعني: فانصرفوا إلى المدينة { وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مّنْهُمُ ٱلنَّبِىَّ } وهم بنو حارثة وبنو سلمة وذلك أن بيوتهم كانت من ناحية المدينة { يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ } يعني: ضائعة نخشى عليها السراق ويقال: معناه أن بيوتنا مما يلي العدو وإنا لا نأمن على أهالينا وقال القتبي أصل العورة ما ذهب عنه الستر والحفظ وكان الرجال ستراً وحفظاً للبيوت فقالوا إن بيوتنا عورة يعني: خالية والعرب تقول أعور منزلك أي إذا سقط جداره يقول الله تعالى { وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ } لأن الله عز وجل يحفظها يعني: وما هي بخالية { إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } أي: ما يريدون إلا فراراً من القتال ثم قال: { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مّنْ أَقْطَارِهَا } يعني: لو دخل العسكر من نواحي المدينة { ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ } يعني: دعوهم إلى الشرك { لآتَوْهَا } قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر لأتوها بالهمزة بغير مد وقرأ الباقون بالهمز والمد فمن قرأ بالمد (لآتوها) يعني: لأعطوها ومن قرأ بغير مد معناه صاروا إليها وجاؤوها وكلاهما يرجع إلى معنى واحد يعني لو دعوا إلى الشرك لأجابوا سريعاً { وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَا إِلاَّ يَسِيراً } أي: وما تحسبوا بالشرك إلا قليلاً يعني يجيبوا سريعاً ويقال لو فعلوا ذلك لم يلبثوا بالمدينة إلا قليلاً.

السابقالتالي
2