الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ }

قوله عز وجل: { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } يعني وحدوه وأطيعوه { وَٱخْشَوْاْ } يعني واخشوا عذاب يوم { يَوْماً لاَّ يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ } يعني هو جاز عن والده شيئاً ولا ينفع والد عن ولده ويقال: لا يقضي والد عن ولده ما عليه { وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً } يعني لا يقدر الولد أن ينفع والده شيئاً وهذا في الكفار خاصة وأما المؤمن فإنه ينفع كما قال في آية أُخرى:أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [الطور: 21] ثم قال: { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } يعني البعث بعد الموت كائن ولا خلف فيه { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } يعني لا يغرنكم ما في الدنيا من زينتها وزهوتها فتركنوا إليها وتطمئنوا بها وتتركوا الآخرة والعمل لها { وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } يعني لا يغرنكم الشيطان عن طاعة الله عز وجل ويقال: كل مضل هو شيطان وقال أهل اللغة: الغرور بنصب الغين هو الشيطان وبالضم أباطيل الدنيا قوله عز وجل: { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } قال مقاتل: نزلت في رجل يقال له: الوليد بن عمرو من أهل البادية أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أرضنا أجدبت فمتى ينزل الغيث؟ وتركت امرأتي حبلى فماذا تلد؟ وقد علمت بأي أرض ولدت فبأي أرض أموت؟ وقد علمت ما عملت اليوم فماذا أنا عامل غداً؟ ومتى الساعة؟ فنزل: { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } يعني علم القيامة لا يعلمه غيره { وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ } يعني وهو الذي ينزل الغيث متى شاء { وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلأَرْحَامِ } من ذكر وأنثى { وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ } في سهل أو جبل وروي عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله فقرأ إن الله عنده علم الساعة " الآية وقال ابن مسعود كل شيء أوتي نبيكم إلا مفاتيح الغيب الخمس إن الله عنده علم الساعة إلى آخر السورة وقالت عائشة رضي الله عنها: من حدثكم بأنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت: { وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ } يعني بأي مكان تموت وبأي قدم تؤخذ وبأي نفس ينقضي أجله وروى شهر بن حوشب قال: دخل ملك الموت على سليمان بن داود - عليه السلام - فقال رجل من جلسائه لسليمان: من هذا؟ فقال: ملك الموت فقال: لقد رأيته ينظر إلي كأنه يريدني فأريد أن تحملني على الريح حتى تلقيني بالهند ففعل ثم أتى ملك الموت إلى سليمان فسأله عن نظره ذلك فقال: إني كنت أعجب أني كنت أمرت أقبض روحه في أرض الهند في آخر النهار وهو عندك ثم قال تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ } يعني بهذه الأشياء التي ذكرها.