الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } * { وَمَآ أَنتَ بِهَادِ ٱلْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُّسْلِمُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } * { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } * { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ } * { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ }

{ فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } فشبه الكفار بالموتى فكما لا يسمع الموتى النداء فكذلك لا يجيب ولا يسمع الكفار الدعاء إذا دعوا إلى الإيمان { وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَاء إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } يعني: أن الأصم إذا كان مقبلاً لا يسمع فكيف إذا ولى مدبراً فكذلك الكافر لا يسمع إذا كان يتصامم عند القراءة والقراءة ذكرناها في سورة النمل ثم قال عز وجل: { وَمَا أَنتَ بِهَادِى ٱلْعُمْىِ } إلى الإيمان { عَن ضَلَـٰلَتِهِمْ } يعني: لا تقدر أن توفقه وهو لا يرغب عن طاعتي في طلب الحق { إِن تُسْمِعُ } يعني: ما تسمع { إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا } يعني: بالقرآن { فَهُم مُّسْلِمُونَ } يعني: مخلصون ثم أخبرهم عن خلق أنفسهم ليعتبروا ويتفكروا فيه فقال عز وجل: { ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ } يعني: من نطفة ويقال صغيراً لا يعقل { ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً } يعني: شدة بتمام خلقه { ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً } يعني: بعد الشباب الهرم { وَشَيْبَةً } أي شمطاً قرأ عاصم في رواية حفص وحمزة من ضعف بنصب الضاد وقرأ الباقون من ضعف بالضم وهما لغتان ومعناهما واحد { يَخْلُقُ مَا يَشَاء } أي يحول الخلق كما يشاء من الصورة { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } العليم بتحويل الخلق القدير يعني: القادر على ذلك قوله عز وجل: { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } يعني: يحلف المشركون { مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } في الدنيا يقول الله عز وجل كذلك كانوا يكذبون بالبعث كما أنهم كذبوا حيث قالوا ما لبثوا يعني في القبور غير ساعة ويقال: { كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } لأنهم يقولون مرةإِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } [طه: 103] ومرة يقولونلَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } [الكهف: 119] ومرة يقولون { مَا لَبِثْنَا غَيْرَ سَاعَةٍ } فيقول الله تعالى هكذا كانوا في الدنيا ثم قال عز وجل: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَـٰنَ } يعني: أكرموا بالعلم والإيمان { لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } أي في علم الله، ويقال: فيما كتب الله عز وجل وقال مقاتل: في الآية تقديم يعني: وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان وهو ملك الموت لقد لبثتم في كتاب الله { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ } ويقال الذين أوتوا العلم بالكتاب وأوتوا الإيمان وهم العلماء ثم قال: { فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } يعني: لا تصدقون بهذا اليوم في الدنيا ثم قال عز وجل: { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } يعني: أشركوا { مَعْذِرَتُهُمْ } قرأ ابن كثير وأبو عمر ولا تنفع بالتاء بلفظ التأنيث لأن لفظ المعذرة مؤنثة وقرأ الباقون بالياء فينصرف إلى المعنى يعني عذرهم { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } يقال عتب يعتب إذا غضب عليه وأعتب يعتب إذا رجع عن ذنبه واستعتب إذا طلب منه الرجوع يعني: أنه لا يطلب منهم الرجوع في ذلك اليوم ليرجعوا ثم قال عز وجل: { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ } يعني: وصفنا وبينا { فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } أي: شبه { وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِـئَايَةٍ } كما سألوا { لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني: المشركون من أهل مكة { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ } يعني: يقولون ما أنت إلا كاذب وليس هذا من الله عز وجل كما كذبوا بانشقاق القمر يقال أبطل الرجل إذا جاء بالباطل وأكذب إذا جاء بالكذب، فقال: إن أنتم إلا مبطلون يعني: كاذبون ثم قال: { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ } يعني يختم الله عز وجل { عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني: لا يصدقون بالقرآن وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - { فَٱصْبِرْ } يا محمد { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } فيما وعد لكم من النصر على عدوكم وإظهار دين الإسلام حق، ويقال: فاصبر إن وعد الله حق يعني: صدق في العذاب { وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ } يعني: يستنزلنك عن البعث { ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ } أي لا يصدقون ويقال لا يستخفنك يعني: لا يحملنك تكذيبهم على الخفة يعني: كن حليماً صبوراً وقوراً، ويقال: لا يستخفنك فتدعو عليهم بتعجيل العذاب فيهلك الذين لا يوقنون بالعذاب والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.